صفراء إلى أبى عبد الله الجيشانى، فلعله أن يعقل إذا رآها! ففعل. فلما دخلت عليه قالت له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير ما لم تبرحى! قالت:
ما تشتهى؟ قال: قربك! قالت: ما تشتكى؟ قال: حبّك! قالت: فتوصى بشىء؟ قال: نعم، أوصى بك إن قبلوا منى! فقالت: إنى أريد الانصراف! قال: فتعجلى ثواب الصلاة علىّ! فقامت فانصرفت، فلما رآها مولية تنفس الصعداء.
ومات من ساعته.
وروى أيضا بسند يرفعه إلى عوانة بن الحكم أن عبد الله بن جعفر وفد إلى عبد الملك بن مروان فحدّثه، قال: اشتريت جارية بعشرة آلاف درهم، فوصفت ليزيد بن معاوية فأرسل إلىّ يقول: إما أن تهديها إلىّ، وإما أن تبيعها بحكمك، فكتبت إليه: لا تخرج والله من ملكى ببيع ولا هبة أبدا. ومكثت عندى لا أزداد لها إلا حبا. حتّى أتتنى عجوز من عجائزنا، فذكرت أن بعض عزّاب المدينة يهواها، وأنه يجىء في كل يوم متنكرا فيقف بالباب حتّى يسمع غناءها. فراعيت مجيئه ليلة، فإذا به قد أقبل متقنع الرأس حتّى قعد مستخفيا فدعوت قيّمة الجارية، فقلت: انطلقى الساعة فأصلحى هذه الجارية بأحسن ما أمكن، وعجلى بها، ففعلت. فقمت وقبضت على يدها وفتحت الباب وأتيت إلى الرجل فحركته فانتبه مذعورا. فقلت: لا بأس عليك، خذ هذه الجارية، هى لك، فإذا هممت ببيعها فارددها إلىّ، فدهش الفتى. فدنوت إلى أذنه فقلت: ويحك، قد أظفرك الله عز وجل ببغيتك، فانصرف إلى منزلك، فإذا الفتى ميت، فلم أر شيئا قط أعجب من ذلك، وهانت علىّ الجارية، فكرهت أن أوجّه بها إلى يزيد فيعلم حالها أو تخبره