فأخبرتهم، فرقّوا له فزوّجوه بحضرتى. فرجعت إليه لأفرّج عنه، فلما أخبرته الخبر، نظر إلىّ، ثم تأوّه تأوّها شديدا بلغ من قلبى، ثم قال:
ألآن إذ حشرجت نفسى وخامرها ... فراق دنيا وناداها مناديها!
ثم زفر زفرة فمات. فدفنته في موضعه ثم انصرفت فأخبرتهم الخبر. فأقامت الجارية بعده ثلاثا لا تطعم، ثم ماتت.
وحكى عن المبرد قال: خرجت أنا وجماعة من أصحابى مع المأمون. فلما قربنا من الرّقّة، إذا نحن بدير كبير، فقال لى بعض أصحابى: مل بنا إلى هذا الدير لننظر من فيه ونحمد الله تعالى على ما رزقنا من السلامة، فدخلنا إلى الدير، فرأينا مجانين مغلغلين، وهم فى نهاية القذارة، فاذا فيهم شابّ عليه بقية من ثياب ناعمة، فلما بصربنا قال: من أنتم يافتيان؟ حياكم الله! فقلنا: نحن من العراق. فقال: بأبى العراق وأهلها! بالله أنشدونى أو أنشدكم! فقال المبرد: قلت: والله إن الشعر من هذا لظريف، فقلنا: