هذا؟ فقال له أسلم: من أنت؟ فقال: أجيرك في الضّيعة الفلانية- (وقد كان يعرف أسماء ضياعه) . فأمر أسلم غلمانه بقبض ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم. ثم جعل أسلم يسأله عن أحوال الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخى! وإلى هاهنا تتبعنى؟ أما كفاك انقطاعى عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على بابى نهارا حتّى قطعت علىّ جميع مالى فيه راحة فصرت في سجنك؟ والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلى، ولا جلست بعدها على بابى، لا ليلا ولا نهارا، ثم قام. وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا.
قال محمد: واتصل ذلك بنا فقلنا لأحمد بن كليب: وخسرت دجاجك وبيضك؟
فقال: هات كلّ ليل قبلة في يده، وأخسر أضعاف ذلك! فلما يئس من رؤيته البتة، نهكته العلة وأضجعه المرض. قال محمد بن الحسن: فأخبرنى شيخنا محمد بن خطاب قال: فعدته فوجدته بأسوإ حال. فقلت له: لم لا تتداوى؟ فقال: دوائى معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم فيّ البتة، فقلت له: وما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم! فلو سعيت في أن يزورنى لأعظم الله جزاءك بذلك، وآجره. قال: فرحمته وتقطعت نفسى عليه، فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه، فأذن لى وتلقّانى بما يجب، فقلت:
لى حاجة، فقال: وما هى؟ قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندى. فقال: نعم، ولكن قد تعلم أنه برّح بى، وشهر اسمى وآذانى.
فقلت له: كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التى هو فيها، والرجل يموت، فتفضل بعيادته. فقال لى: والله ما أقدر على ذلك، فلا تكلّفنى هذا! فقلت: لا بدّ من ذلك فليس عليك فيه شىء، وإنما هى عيادة مريض. قال: ولم أزل به حتّى أجاب، فقلت له: فقم الآن، قال: لست والله أفعل، ولكن غدا، فقلت له: ولا خلف،