قال: نعم. فانصرفت إلى أحمد بن كليب فأخبرته بوعده فسرّ بذلك وارتاحت نفسه.
فلما كان من الغد بكّرت إلى أسلم، وقلت له: الوعد، قال: فوجم، وقال: والله لقد تحملنى على خطّة صعبة علىّ، وما أدرى كيف أطيق ذلك؟ فقلت له: لا بدّ أن تفى بوعدك لى، قال: فأخذ رداءه ونهض معى راجلا، فلما أتينا منزل أحمد، وكان يسكن في درب طويل. فعند ما توسّط الزّقاق وقف واحمرّ وخجل، وقال:
يا سيدى، للساعة والله أموت! وما أستطيع أن أعرض هذا على نفسى! فقلت:
لا تفعل بعد أن بلغت المنزل، قال: لا سبيل والله إلى ذلك البتّة! ورجع هاربا فاتّبعته وأخذت بردائه، فتمادى وتمزق الرداء وبقيت قطعة منه في يدى لشدّة إمساكى له. ومضى ولم أدركه. فرجعت ودخلت على أحمد، وكان غلامه قد دخل عليه لما رآنا من أوّل الزقاق مبشّرا. فلما رآنى تغير وجهه وقال: أين أبو الحسن؟
فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع. فاستبشعت الحال وجعلت أتوجّع وقمت، فثاب إليه ذهنه، وقال لى: يا أبا عبد الله، قلت: نعم، قال: اسمع منى، واحفظ عنّى، وأنشأ يقول:
أسلم، يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النّحيل!
وصلك أشهى إلى فؤادى ... من رحمة الخالق الجليل!
قال: فقلت له: اتق الله، ما هذه العظيمة؟ قال: قد كان، فخرجت عنه فو الله ما توسطت الزقاق حتّى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدّنيا.
وهذه الحكاية مشهورة عند أهل الأندلس. وأسلم هذا من بنى خالد وكانت فيهم وزارة وحجابة. وهذا الباب طويل والحكايات والأخبار والوقائع فيه كثيرة يطول الشرح بذكرها.