إذا جئتها صدّت حياء بوجهها، ... فتهجرنى هجرا ألذّ من الوصل.
وإن حكمت جارت علىّ بحكمها؛ ... ولكنّ ذاك الجور أشهى من العدل.
كتمت الهوى جهدى، فجوّده الأسى ... بماء البكا، هذا يخطّ وذا يملى!
وأحببت فيها العذل حبّا لذكرها، ... فلا شىء أحلى في فؤادى من العذل!
أقول لقلبى كلّما ضامه الأسى: ... إذا ما أبيت العزّ، فاصبر على الذّلّ!
برأيك لا رأيى تعرّضت للهوى، ... وأمرك لا أمرى وفعلك لا فعلى.
وجدت الهوى نصلا من الموت مغمدا ... فجرّدته ثم اتكأت على النصل!
فإن كنت مقتولا على غير ريبة ... فأنت الذى عرّضت نفسك للقتل!
وهذه الأبيات معارضة لصريع الغوانى في قوله:
أديرا علىّ الكأس، لا تشربا قبلى ... ولا تطلبا من عند قاتلتى ذحلى!
فما حزنى أنّى أموت صبابة؛ ... ولكن على من لا يحلّ لها قتلى!
فديت التى صدّت وقالت لتربها: ... دعوه، الثّريّا منه أقرب من وصلى!
وقال ابن عبد ربه:
صحا القلب، إلا خطرة تبعث الأسى ... لها زفرة موصولة بحنين.
بلى، ربّما حلت عرى عزماته ... سوالف آرام وأعين عين.
لواحظ حبّات القلوب إذا رنت ... بسحر عيون وانكسار جفون.
وريط من الموشىّ أينع تحته ... ثمار صدور، لا ثمار غصون.
برود كأنوار الربيع لبسنها ... ثياب تصاب لا ثياب مجون.
فرين أديم الليل عن نور أوجه ... تجنّ بها الألباب كلّ جنون.
وجوه جرى فيها النعيم فكلّلت ... بورد خدود يجتنى بعيون.