للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجرس، وتحرّكت الحبال، وخفق ما عليها من الأجراس الصّغار، وكان قد عمل ذلك بحركات فلسفيّة.

فلمّا سمع الصّنّاع حسّ أصوات الجرس وصنعوا الأساس [١] دفعة واحدة وارتفع الضّجيج بالتّحميد والتّقديس، فاستيقظ الإسكندر من رقدته، وسأل عن الخبر، فأخبر به، فقال:

أردت أمرا والله أراد غيره، ويأبى الله إلّا ما يريده، أردت طول بقائها، وأراد الله سرعة فنائها وخرابها، وتداول الملوك إيّاها.

قال: ولمّا [٢] أحكم بناؤها، وثبّت أساسها، وجنّ اللّيل عليهم، خرجت دوابّ من البحر أتت على جميع ذلك البنيان؛ فقال الإسكندر حين أصبح: هذا بدء الخراب فى عمرانها، وتحقّق مراد البارى فى زوالها. وتطيّر من فعل الدّوابّ، وتكرّر ذلك من فعل الدّوابّ فى كلّ يوم، والإسكندر يوكّل به من يحرسه، وهو يصبح خرابا، فقلق لذلك، وراعه ما رأى، ففكّر ما الّذى يصنع! وأىّ حيلة يعمل فى رفع أذى الدّوابّ عن المدينة، فسنحت له الفكرة ليلة، فلمّا أصبح أمر الصّنّاع أن يتّخذوا تابوتا من الخشب طوله عشرة أذرع فى عرض خمسة أشبار، وجعل فيه جامات من الزّجاج، وطليت بالقار وغيره من الأطلية التى تمنع الماء أن يدخل التّابوت، وجعل فيه مواضع للحبال، ودخل فيه ومعه رجلان من كتّابه ممّن له علم بإتقان التّصوير، وأمر أن يستر [٣] عليه، وعليهم باب


[١] المسعودى: «فلما رأى الصناع تحرك الحبل وسمعوا تلك الأصوات وضعوا الأساس ... » .
[٢] المصدر نفسه ١: ٣٧١ وما بعدها.
[٣] المسعودى: «أن يسد عليه الأبواب» .