أمر الله قدرأ مقدورأ، أردنا أمرا وأراد الله غيره، واجتمع عليه أصحابه وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه، فقال حميد بن قحطبة لأصحابه:
شدّوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم، وتعلموا ما اجتمعوا عليه، فشدّوا عليهم فقاتلوهم أشد القتال، حتى أفرجوهم عن إبراهيم وخلصوا إليه وحزّوا رأسه، فأتوا «١» به عيسى بن موسى، فأراه ابن أبى الكرام الجعفرىّ، فقال: نعم هو رأسه «٢» ، فنزل عيسى إلى الأرض فسجد، وبعث برأسه إلى المنصور، وكان مقتله يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذى القعدة سنة خمس وأربعين ومائة، وكان عمره ثمانيا وأربعين سنة، ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام.
وقيل كان سبب انهزام أصحاب إبراهيم، أنّهم لما هزموا أصحاب المنصور وتبعوهم نادى منادى إبراهيم: ألا تتبعوا مدبرا فرجعوا، فلما رآهم أصحاب المنصور راجعين ظنّوهم منهزمين، فعطفوا في آثارهم وكانت الهزيمة. قال: وبلغ المنصور الخبر بهزيمة أصحابه أولا، فعزم على اتيان الرىّ، فأتاه نوبخت المنجّم فقال: يا أمير المؤمنين، الظفر لك، وسيقتل إبراهيم فلم يقبل منه، فبينما هو كذلك إذ أتاه الخبر بقتل إبراهيم، فتمثل:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر