فلم يفعلوا ذلك، ولما التقوا اقتتلوا قتالا شديدا فكانت الغلبة لأصحاب السلطان حتى لم يشكّوا في ذلك، ثم خرج اللعين زكرويه إلى آخر القافلة وقد رأى خللا هناك، فعمل في الجمال كما عمل في جمال الخراسانية، وقتل سائر الناس إلا يسيرا استعبدهم أو شريدا، ثم أنفذ خيلا فلحقت من أفلت من أوائل القوم حتى ردّوهم إليه، فقتلهم وأخذ النساء وجميع ما في القافلة، وقتل مباركا القمّى ومظفّرا ابنة وأسر أبا العشائر، فقطع يديه ورجليه وضرب عنقه، وأطلق من النساء ما لا حاجة له فيها، ووقع بعض الجرحى بين القتلى حتى تخلّصوا ليلا، ومات كثير من الناس جوعا وعطشا، وورد من قدّم من الناس يخبرون أن نساء القرامطة كنّ يطفن بين القتلى فيقلن:
عزيز علينا، من يرد ماء نسقيه، فإن كلّمهنّ جريح مطروح أجهزن عليه، قال: ويقال إنّ جميع القتلى كانوا نحوا من عشرين ألفا، وأخذ من الأموال ما لا يحصى كثرة.
قال: ولما اتصل خبر القافلتين بمدينة السلام جاء الناس من ذلك ما شغلهم، وتقدّم السلطان باخراج المال وإزاحة العلل، وأخرج العباس بن الحسن ومحمد بن داود الجرّاح الكاتب المتولى دواوين الخراج والضياع بالمسير إلى الكوفة لانقاذ الجيش منها، وحمل معه أموالا عظيمة، وقال: كلّما قرب نفاد ما معك كاتبنى لأمدّك بالأموال، وخرج إليها يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم، وقدّم خزانة سلاح جعلها بالكوفة فما زالت بقاياها هناك إلى أن أخذها الهجرىّ. قال: ثم رحل زكرويه يريد القافلة الثالثة فلم يدع ماء في طريقه إلا طرح فيه جيف الموتى، ونزل زبالة فقتل من