فبينما هم كذلك إذ أقبلت قافلة العمرة، وكان المعتمرون يتخلّفون للعمرة بعد خروج الحاج إذا دخل المحرّم، وينفردون قافلة واحدة وانقطع ذلك من تلك السنة، فاجتمع الناس وقاتلوهم يومهم، ونفذ الماء وعطشوا ولا ماء لهم هناك، وباتوا وزكرويه مستظهر عليهم، ثم عاودوهم القتال حتى ملك القافلة، فقتل الناس وأخذ ما فيها من حريم ومال وغير ذلك، وأفلت ناس قليل قتل أكثرهم العطش، ثم سار مصعدا نحو فيد فتحصّن منه أهلها، فطاولهم فصبروا عليه ونزل منهم ثمانية عشر رجلا بالحبال من رأس الحصن، فقاتلوا رجّالتهم قتالا شديدا وقد أسندوا ظهورهم بسور الحصن، ورمى أهل الحصن بالحجارة؛ قال: سمعت داود بن عتاب الفيدى- وكان نبيلا صدوقا- قال: نزلنا إليهم نحو أربعين رجلا متزرين بالسراويلات، وقد كان لحقهم- لا أدرى- عطش قال أو جوع، قال: فطردناهم فمالوا «١» إلى حصن يقرب منّا، قد كان بيننا وبين أهله عداوة قديمة، فأخذوا منهم الأمان ونزلوا ليفتحوا لهم، فقال بعضنا لبعض:
إن ظفروا به أخذوا منه ما يحتاجون إليه، وعادوا إليكم، قال:
فطرحنا أنفسنا عليهم وأحسّ بذلك أهل الحصن فقويت قلوبهم، وخرجوا فكشفناهم، وتبعهم جماعة منّا فسلبوا منهم جمالا، وكان ذلك سبب صلاحنا مع أصحاب الحصن.
قال الشريف: ولم يبق دار بالكوفة وبغداد والعراق إلا وفيها مصيبة وعبرة سايلة وضجيج وعويل، حتى قيل إنّ المكتفى اعتزل