للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مقصداً وأعذب عبارَة

وَكَانَ قد سلطه الله تَعَالَى على الشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ وعَلى الْمُهَذّب ابْن النقاش الطَّبِيب وعَلى القَاضِي الْفَاضِل

أما القَاضِي الْفَاضِل فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَجْسُر على التَّصْرِيح بِذكرِهِ بل يعرض بِهِ كَقَوْلِه فِي رِسَالَة كتبهَا إِلَى مجد الدّين ابْن الْمطلب وَقد ذكر الْحمام الفيوم فلمز أشعر إِلَّا والحائط الشمالي قد انْشَقَّ وَخرج مِنْهُ شخص عَجِيب الصُّورَة لَيْسَ لَهُ رَأس وَلَا رَقَبَة الْبَتَّةَ وَإِنَّمَا وَجهه فِي صَدره ولحيته فِي بَطْنه مثل بعض النَّاس فَهَذَا تَعْرِيض بالفاضل رَحمَه الله

وَأما الْمُهَذّب فَذكره صَرِيحًا كَقَوْلِه فِي جملَة الْمَنَام الَّذِي رَآهُ وَإِن الْقِيَامَة قد قَامَت والخلق فِي الْموقف وغذا بِحَلقَة عَظِيمَة بعيدَة الأقطار فِيهَا من الْأُمَم مَا لَا يُحْصى كلهم يصفقون ويلعبون وَثَلَاثَة فِي وَسطهمْ يرقصون إِلَى أَن تعبوا ووقعوا إِلَى الأَرْض فسألنا بعض الْحَاضِرين عَن ذَلِك الْفَرح وَعَن الثَّلَاثَة الَّذين يرقصون فَقَالَ أما الثَّلَاثَة فعبد الرَّحْمَن بن ملجم الْمرَادِي والشمر بن ذِي الجوشن وَالْحجاج بن يُوسُف مجرمو هَذِه الْأمة وَأما الْفَرح الَّذِي ألهاهم عَن توقع)

الْعقَاب حَتَّى رقصوا من الطَّرب مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ من رجاحة الْعقل ونزاهة النَّفس فَهُوَ الطمع فِي رَحْمَة الله تَعَالَى بعد الْيَأْس مِنْهَا وَالسَّبَب فِيهِ كَون البارئ عز وَجل غفر الْيَوْم للفقيه المجير والمهذب ابْن النقاش فَخُذُوا أَنْتُم بحظكم رحمكم الله من الْفَرح وَالسُّرُور فَقلت وَأي شَيْء ينالنا نَحن من نجاة هذَيْن الرجلَيْن وَمن فوزهما بِالرَّحْمَةِ والرضوان وَنحن إِلَى الْحزن أقرب منا للسرورفقال قد أجمع النَّاس على أَنه لم يُولد مَوْلُود فِي الْإِسْلَام ارق دينا من هذَيْن الرجلَيْن وَلَا أقل خيرا مهما فَإِذا غفر لَهما فَمَا عَسى أَن يكون ذنُوب الْحجَّاج وَأَصْحَابه وَمَا ذنوبهم فِي جنب ذنُوب هذَيْن إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود

ثمَّ أَن الوهراني استطرد بعد هَذَا فِي ذكره من شَيْء إِلَى شَيْء فِي ذكر معائب وقبائح بمقاصد غَرِيبَة خُفْيَة الكيد وَكرر ذكره فِي ترسله رَمَاه بِكُل عَظِيمَة

وَأما تَاج الدّين الْكِنْدِيّ فَذكره أَيْضا فِي غير مَوضِع من ذَلِك فِي رِسَالَة مِنْهَا وَقد ذكر قصيدة للكندي أَولهَا

(قدمت فَلم أترك لذِي قدمٍ حكما ... كَذَلِك عادي فِي العدى والندى قدما)

وَمَعَ هَذَا فَمَا يَنْبَغِي أَن يَبْتَدِئ مثل هَذِه الْبدَاءَة إِلَّا مُصعب بن الزبير أَو يزِيد بن الْمُهلب أَو مُسلم بن قُتَيْبَة الَّذين جمعُوا الشجَاعَة وَالْكَرم وَأما الرجل السوقة إِذا قَالَ هَذَا الْكَلَام فَمَا يُجَاوب إِلَّا بمكاوي البيطار فِي اليأفوخ والأصداغ

وَأما قَوْله

(إِذا وطئ الضرغام أَرضًا تضايقت ... خطا وحشها عَنهُ فيوسعها هزما)

فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ من الشّعْر الَّذِي تمجه الأسماع وتأباه النُّفُوس فَمَا لَهُ عمدي جَوَاب إِلَّا الضراط المغربي الصلب يصفى فِي جَوف لحية قَائِله من مَكَان قريب

وَأما قَوْله

(وَإِن أك فِي صدرٍ من الْعُمر شارخاً ... فكم يفنٍ عَن همتي بفتىً هما)

فَلَو أَن لي بِهِ قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد لكتبت هَذَا الْبَيْت بالخرا على روق القنبيط ثمَّ ألزمته أَن يَأْكُلهُ فَيكون الخرا قد أكل الخرا من خرا على خرا فِي خرا

وَأما قَوْله

(سبقت إِلَى غايات كل فضيلةٍ ... تعز على طلابها الْعَرَب والعجما)

<<  <  ج: ص:  >  >>