ابْنه عبد الرَّحْمَن هَذَا ابْن عشْرين يَوْمًا وَتُوفِّي جده عبد الله الْأَمِير فِي سنة ثَلَاث مائَة فولي عبد الرَّحْمَن النَّاصِر وَقيل لبث فِي ولَايَته خمْسا وَأَرْبَعين سنة وجد فِي الْغَزْو والفتوح وَكَثُرت لَهُ الفتوحات واستوت لَهُ طَاعَة الأجناد وَلم يكن بعد عبد الرَّحْمَن الدَّاخِل أجزل مِنْهُ فِي الحروب وَصِحَّة الرَّأْي والإقدام عل المخاطرة والهول حَتَّى نَالَ البغية وَبنى الْمَدِينَة الزهراء فِرَارًا بِنَفسِهِ وخاصة جنده عَن عَامَّة قرطبة الْكَثِيرَة الْهَرج الجمة سَواد الْخلق فرتب الجيوش ترتيباً لم يعْهَد مثله قبله واكرم أهل الْعلم واجتهد فِي تخير الْقُضَاة وَكَانَ مبخلاً لَا يُعْطي وَلَا ينْفق إِلَّا فِيمَا رَآهُ سداداً وَتُوفِّي فِي شهر رَجَب سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مائَة
وَتَوَلَّى ابْنه الحكم الْمُسْتَنْصر وَقد مر ذكره وَلم يتسم بأمير الْمُؤمنِينَ حَتَّى تحقق اختلال دولة بني الْعَبَّاس بالعراق وَقتل المقتدر العباسي وَغَلَبَة الْعَجم عَلَيْهِم بعد قتل المتَوَكل قَالَ ابْن عبد ربه نظمت أرجوزة ذكرت فِيهَا غَزَوَاته وافتتح سبعين حصناً من أعظم الْحُصُون ومدحه الشُّعَرَاء وَكثر الْعلمَاء فِي أَيَّامه وَمن شعر النَّاصِر عبد الرَّحْمَن الْكَامِل
(همم الْمُلُوك إِذا أَرَادوا ذكرهَا ... من بعدهمْ فبألسن الْبُنيان)
(إِن الْبناء إِذا تعاظم شَأْنه ... أضحى يدل على عَظِيم الشان)
وَمِنْه وَقيل هُوَ لِابْنِهِ الْمُسْتَنْصر مخلع الْبَسِيط)
(مَا كل شَيْء فقدت إِلَّا ... عوضني الله عَنهُ شيا)
(إِنِّي إِذا مَا منعت خيري ... تبَاعد الْخَيْر من يديا)
(من كَانَ لي نعْمَة عَلَيْهِ ... فَإِنَّهَا نعْمَة عليا)
وَمن سياساته الْحَسَنَة أَنه رفع إِلَيْهِ أَن تَاجِرًا زعم أَنه ضَاعَت لَهُ صرة فِيهَا مائَة دِينَار وَأَنه نَادَى عَلَيْهَا وَجعل لمن يَأْتِيهِ بهَا عشرَة دَنَانِير فَجَاءَهُ بهَا رجل عَلَيْهِ سمة خير وَذكر أَنه وجدهَا فَلَمَّا حصلت فِي يَد التَّاجِر ادّعى أَنَّهَا كَانَت مائَة وَعشرَة وَإِن الْعشْرَة الَّتِي نقصت مِنْهَا أَخذهَا وغرضه أَن لَا يُعْطِيهِ مَا شَرط لَهُ فَوَقع النَّاصِر صدق الرّجلَانِ فَنَادِ على مَال التَّاجِر فَإِنَّهُ مائَة وَعشرَة واترك الْمِائَة مَعَ الَّذِي أَخذهَا إِلَى أَن يَجِيء صَاحبهَا
٣ - (النَّاصِر شنشول الأندلسي)
عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله النَّاصِر الْمَعْرُوف بشنشول بشينين معجمتين بَينهمَا نون وَبعد الْوَاو لَام ابْن الْمَنْصُور أبي عَامر الْحَاجِب تقدم ذكر وَالِده فِي المحمدين
ولي بعد أَبِيه الأندلس وَفتح أُمُوره باللعب وَاللَّهْو وَالْخُرُوج إِلَى النزه والتهنك والمؤيد بِاللَّه على عَادَته الَّتِي قررها الْمَنْصُور أَبُو عَامر الْحَاجِب من الْأَصْحَاب فأكره الْمُؤَيد على