٣ - (ابْن عبدون)
الْوراق السُّوسِي مُحَمَّد بن عبدون الْوراق السُّوسِي بل هُوَ من أكَابِر القيروان لَكِن أَبوهُ سكن سوسة قَالَ ابْن رَشِيق هُوَ شَاعِر وطي الْكَلَام كلف بعذوبة اللَّفْظ وَالْمعْنَى الْبعيد يتسلك إِلَيْهِ بلطافة ارتحل سنة ثلث وَتِسْعين وَثلث ماية إِلَى ثِقَة الدولة يُوسُف وامتدحه وَأحسن إِلَيْهِ وأضافه إِلَى وَلَده جَعْفَر وأكرمه قَالَ يتشوق إِلَى وَطنه
(يَا قصر طارف همي فِيك مَقْصُور ... شوقي طليق وخطوي عَنْك مَقْصُور)
(إِن نَام جَارك إِنِّي سَاكن أبدا ... أبْكِي عَلَيْك وباكي الْعين مَعْذُور)
(عِنْدِي من الوجد مَا لَو فاض عَن كَبِدِي ... إِلَيْك لاحترقت من حولك الدّور)
(لَا هم إِن الْهوى والوجد قد غلبا ... صبري فَكل اصْطِبَارِي فيهمَا زور)
وَقَالَ أَيْضا
(وَلما رَأَيْت الْبَدْر قُمْت مُسلما ... عَلَيْهِ وأظهرت الخضوع لَدَيْهِ)
(وَقلت لَهُ إِن الْأَمِير ابْن يُوسُف ... شبيهك قد عز الْوُصُول إِلَيْهِ)
(فَكُن لي شَفِيعًا عِنْده ومذكراً ... إِذا جِئْته تبغي السلان عَلَيْهِ)
تسلط على هَذَا الْمَعْنى من قَول ابْن الرُّومِي
(بِاللَّه يَا قمر الدجا ... كن لي إِلَى قمري شَفِيعًا)
وَقَالَ يرثي جَارِيَته وَابْنه
(قبر بسوسة قد قبرت بِهِ النهى ... أدرجت لحدي فِي مدارج لحده)
(أسكنته سكني ورحت كأنني ... فِي الأَرْض لَا بشرا أرى من بعده)
(عجبا لمن ألْقى عَلَيْهِ رِدَاءَهُ ... أَو مد كفا فِي الصَّعِيد لرده)
(صمت عَليّ مسامعي فِي رقّه ... وضعفت من صعق الصُّرَاخ ورعده)
(وجهدت أَن أبْكِي فَلم أجد البكي ... مَاء بخدي وَالتُّرَاب بخده)
(مَا الشَّأْن فِي جزعي عَلَيْهِ وحسرتي ... الشَّأْن فِي قرب الخيال وَبعده)
(طَال انتظاري للهدو وَلَيْسَ لي ... جفن يُطَابق جفْنه فِي ترده)
(هَيْهَات قد منع الهدو لناظري ... قبران ذَا ولد وَذَاكَ لوده)