حظيا عِنْد الْخُلَفَاء
وَأول اتِّصَاله كَانَ بِجَعْفَر
وَاتفقَ أَن تمطأت حظية للرشيد وَرفعت يَدهَا فَبَقيت منبسطة لَا يُمكنهَا ردهَا فعالجها الْأَطِبَّاء بالتمريخ والأدهان وَلم يفدها شَيْئا)
فَشَكا الرشيد ذَلِك إِلَى جَعْفَر وَقَالَ قد بقيت هَذِه الصبية رَحْمَة
فأحضر جَعْفَر لجبريل فَلَمَّا رَآهُ قَالَ لَهُ أَي شَيْء تعرف فَقَالَ أبرد الْحَار وأسخن الْبَارِد وأرطب الْيَابِس وأيبس الرطب
فَضَحِك الرشيد وَقَالَ هَذِه عَامَّة صناعَة الطِّبّ وَشرح لَهُ حَال الصبية فَقَالَ لَهُ إِن لم يسْخط على أَمِير الْمُؤمنِينَ فلي حِيلَة
فَأمر بإحضارها فَلَمَّا حضرت نكس رَأسه وَعدا إِلَيْهَا وَأمْسك ذيلها وأوهمها أَنه يُرِيد كشفها فانزعجت وَمن شدَّة الْحيَاء استرسلت أعضاؤها وانبسطت يَدهَا فأعجب الرشيد ذَلِك وَأمر لَهُ بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم وَقَالَ الرشيد وَهُوَ حَاج بِمَكَّة لجبريل أعلمت أمنزلتك عِنْدِي غَايَة قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ كَيفَ لَا أعلم قَالَ وَالله دَعَوْت لَك فِي الْموقف دُعَاء كثيرا
ثمَّ الْتفت إِلَى من حَضَره وَقَالَ أنكرتم قولي قَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ذمِّي هُوَ قَالَ نعم وَلَكِن صَلَاح بدني بِهِ وَصَلَاح الْمُسلمين بِي فصلاحهم بصلاحه
فَقَالُوا صدق أَمِير الْمُؤمنِينَ
وَجِبْرِيل هَذَا هُوَ الَّذِي عناه أَبُو نواس بقوله من المجزوء الوافر
(سَأَلت أخي أَبَا عِيسَى ... وَجِبْرِيل لَهُ فضل)
(فَقلت الراح يُعجبنِي ... فَقَالَ كثيرها قتل)
(فَقلت لَهُ فَقدر لي ... فَقَالَ وَقَوله فصل)
(وجدت طبائع الإنسا ... ن أَرْبَعَة هِيَ الأَصْل)
(فَأَرْبَعَة لأربعةٍ ... لكل طبيعة رَطْل)
٣ - (ابْن عبد الله الطَّبِيب)
جِبْرِيل بن عبد الله بن بختيشوع
كَانَ فَاضلا مُتَقَدما وَله تصانيف جليلة
طلب الصاحب بن عباد من عضد الدولة طَبِيبا لأمر صَعب حدث لَهُ فِي معدته فَأمر عضد الدولة بِجمع الْأَطِبَّاء وَأَن يختاروا لَهُ طَبِيبا فَأَجْمعُوا عَلَيْهِ طلبا لبعده فَأطلق لَهُ مَالا وجهزه فَلَمَّا وصل تَلقاهُ الصاحب وأكرمه وأنزله فِي دَار بفراشٍ وطباخ وخازنٍ وبواب
ثمَّ أَنه استدعاه وَعِنْده جمَاعَة من أهل الْعلم ورتب لَهُ من يناظره)
فَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء من أَمر النبض فَأَجَابَهُ وَأورد شكوكاً قَوِيَّة وحلها فَخلع عَلَيْهِ الصاحب ووهبه مَالا جزيلاً وَطلب مِنْهُ الصاحب كناشاً فَعمل لَهُ الكناش الصَّغِير فَبعث إِلَيْهِ ألف دِينَار وَعَاد من عِنْده بأثاث وبحمل كثيرٍ
وَتقدم بذلك عِنْد عضد الدولة وَأَرَادَ الْأَمِير ممهد الدولة أَن يسْقِيه دَوَاء مسهلاً فَقَالَ لَهُ يجب أَن تَأْخُذهُ من سحر فَأَخذه الْأَمِير من أول اللَّيْل فَلَمَّا أصبح أَتَى إِلَيْهِ وَأخذ نبضه وَسَأَلَهُ عَن فعل الدَّوَاء فَقَالَ مَا فعل معي شَيْئا امتحاناً لَهُ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل النبض يدل على نَفاذ الدَّوَاء وَهُوَ أصدق فَضَحِك الْأَمِير ثمَّ قَالَ لَهُ كم ظَنك بالدواء قَالَ يعْمل مَعَ الْأَمِير خَمْسَة وَعشْرين مَجْلِسا فَقَالَ الْأَمِير عمل إِلَى الْآن ثَلَاثَة وَعشْرين مَجْلِسا فَقَالَ وَهُوَ يكمل مَا قلت وَخرج من عِنْده مغضباً وَأمر غلمانه بتجهيز أَسبَاب السّفر فَأحْضرهُ الْأَمِير وَقَالَ لَهُ مَا مُوجب ذَلِك فَقَالَ مثلي أشهر من أَن