فَإِن السُّلْطَان مُحَمَّد كَانَ يخافه ويداريه مرض بالسل وَمَات سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
٣ - (قراسنقر المنصوري)
قراسنقر الجوكندار المنصوري الْأَمِير الْكَبِير شمس الدّين أَبُو مُحَمَّد من أكبر الْأُمَرَاء وَأجل مماليك الْبَيْت المنصوري اشْتَرَاهُ الْمَنْصُور قلاوون فِي زمَان الإمرة قبل أَن تطير سمعته وَيذكر اسْمه وَجعله من الأوشاقية عِنْده ثمَّ ترقى وَعرف من صغره بِحسن التأتي فِي الْأُمُور والتحيل لبلوغ الْمَقَاصِد
وَهُوَ من أَقْرَان طرنطاي ولاجين ومكتبغا والشجاعي وَتلك الطَّبَقَة وَكَانَ اِسْعَدْ مِنْهُم فَإِنَّهُ عاصرهم وقاسمهم فِي سَعَادَة أيامهم ثمَّ عمر بعدهمْ الْعُمر الطَّوِيل متنقلاً فِي النيابات والإمرة الْكَبِيرَة إِلَّا مُدَّة يسيرَة قضي عَلَيْهِ فِيهَا بالاعتقال فِي أَيَّام سلطنة لاجين
وَيُقَال إِن أَصله من قارا وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ جهاركس قولا جزما باستنابة الْملك الْمَنْصُور)
قلاوون فِي حلب وتتبعه طرنطاي وَنصب لَهُ أشراك المكايد وسلط الحلبيين على الشكوى مِنْهُ وَبَقِي دأبه يقبح عمله ويعظم زلله وَيحسن للْملك الْمَنْصُور عَزله وَلم يزل حَتَّى أمره الْملك الْمَنْصُور بالكشف عَلَيْهِ فَأتى حلب وكشف عَلَيْهِ بِنَفسِهِ وَلم يظفر مِنْهُ بِمُرَاد وَلَا حصل فِيهِ على أمل
ثمَّ تقصده ابْن السلعوس وَأَرَادَ لَهُ البوس وأغرى لَهُ الْملك الْأَشْرَف وتفطن لَهُ قراسنقر فَلم يزل يرفع حَاله ببذل نفائس الذَّخَائِر وكرائم المَال إِلَى أَن اسْتمرّ بِهِ الْملك الْأَشْرَف
ثمَّ لم ينم عَنهُ ابْن السلعوس وَلَا سكت حَتَّى عزل عَن حلب وَولي الطباخي عوضه
وَكَانَ حقد ابْن السلعوس عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ نَفسه مُنْذُ عهد الصِّبَا وَهُوَ بَين أَبنَاء التُّجَّار بالرياسة حَتَّى كَانَ يُسمى لحمقه الصويحب وَرُبمَا قيل الصاحب على سَبِيل الهزء بِهِ لإفراط حمقه
فَأتى مرّة إِلَى حلب وقراسنقر فِي نيابته وَجَمَاعَة الدَّوَاوِين عِنْده فَلَمَّا لم يخف عَلَيْهِ حمقه فَقَالَ مَا هَذَا إِلَّا أَحمَق فَقيل لَهُ يَا خوند هَذَا الصاحب شمس الدّين وحدثوه حَدِيثه فَطَلَبه إِلَى بَين يَدَيْهِ ومزح مَعَه فعز عَلَيْهِ واغتاظ وحنق فَأمر بِهِ فَضرب على أكتافه وأخرق بِهِ وأهانه فمل ابْن السلعوس حقدها عَلَيْهِ إِلَى أَن دارت لَهُ الدائرة
وَلما عزل قراسنقر عَن حلب نقل إِلَى الْأُمَرَاء بِمصْر فَأَرَادَ مُقَابلَة ابْن السلعوس وَكَانَ رجلا داهية
حكى لي القَاضِي معِين الدّين ابْن العجمي وَهُوَ مِمَّن كَانَ خصيصاً بِهِ قَالَ لم اسْتَقر نقل قراسنقر إِلَى أُمَرَاء مصر تقرب إِلَى الْملك الْأَشْرَف وَإِلَى خواصه بِكُل نَفِيس إِلَى أَن نَدم الْملك الْأَشْرَف على عَزله وَقَالَ لَهُ هَذَا السَّاعَة حلب قد انْفَصل أمرهَا وَأَنت عندنَا عَزِيز