بالممالك ومقدم الجبوش كَانَ أَمِيرا جليل الْمِقْدَار عالي الهمة وَاسع الصَّدْر كثير الْبر وَالْمَعْرُوف وَالصَّدَََقَة لين الْكَلِمَة حسن الْمُعَامَلَة وَالظَّن بالفقراء يتفقد أَرْبَاب الْبيُوت ويسد خلتهم وَعِنْده ديانَة وَفهم وَإِدْرَاك وذكاء ويقظة سمع الحَدِيث وطالع التواريخ وَكَانَ يكْتب خطا حسنا وَله وقف بالجامع الْأَزْهَر على زَاوِيَة لمن يشْتَغل بِمذهب الشَّافِعِي وَبهَا درس وَله أوقاف أخر على جِهَات الْبر ويحكى أَنه لما أحضرهُ التَّاجِر من الْبِلَاد قَالَ للظَّاهِر يَا خوند وَهُوَ يكْتب مليحاً
فَأمره السُّلْطَان أَن يكْتب فَأخذ الْقَلَم وَكتب
(لَوْلَا الضرورات مَا فارقتكم أبدا ... وَلَا ترحلت من نَاس إِلَى نَاس)
فأعجب السُّلْطَان كَونه كتب هَذَا الْبَيْت دون غَيره وَزَاد رَغْبَة فِي مشتراه وَقيل إِن التَّاجِر الْمَذْكُور افْتقر فِي آخر أمره فجَاء إِلَيْهِ وَقد عظم وَصَارَ نَائِبا وَكتب إِلَيْهِ
(كُنَّا جميعين فِي بؤس نكابده ... وَالْعين وَالْقلب منا فِي قذىً وأذى)
(والآن أَقبلت الدُّنْيَا عَلَيْك بِمَا ... تهوى فَلَا تنسني إِن الْكِرَام إِذا)
فوصله بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَكَانَت لَهُ الإقطاعات الْعَظِيمَة بالديار المصرية وبالشام وَله قلعة الصبيبة وبانياس وأعمالها وَبَيت جن وَالشعرَاء وَغير ذَلِك وَلما مَاتَ الْملك الظَّاهِر سَاس الْأُمُور أحسن سياسة وَلم يظْهر مَوته وَكتب إِلَى الْملك السعيد مطالعة بِخَطِّهِ وَسَار بالجيوش إِلَى مصر على أحسن نظام بِحَيْثُ أَنه لم يظْهر لمَوْت الظَّاهِر أثر وَلما وصل إِلَى الْقَاهِرَة مرض عقب وُصُوله وَلم يطلّ مَرضه وَتُوفِّي رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة الْأَحَد سادس شهر ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وست مائَة بقلعة الْجَبَل وَدفن يَوْم الْأَحَد بتربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بالقرافة الصُّغْرَى وَوجد النَّاس عَلَيْهِ وجدا عَظِيما وحزنوا لفقده وَشَمل مصابه الْخَاص وَالْعَام
وَكَانَت لَهُ جَنَازَة مَشْهُودَة وأقيم النوح عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ والقلعة ثَلَاث لَيَال مُتَوَالِيَات والخواتين وَنسَاء الْأُمَرَاء يدرن فِي شوارع الْقَاهِرَة لَيْلًا بالشمع والنوائح والطارات وصدع مَوته الْقُلُوب
وَقيل إِنَّه مَاتَ مسموماً ومنذ مَاتَ اضْطَرَبَتْ أَحْوَال الْملك السعيد وَظَهَرت أَمَارَات الإدبار عَلَيْهِ وعَلى الدولة الظَّاهِرِيَّة وَكَانَ عمره تَقْديرا خمْسا وَأَرْبَعين سنة وَخلف تَرِكَة عَظِيمَة)
تفوت الْحصْر وَخلف ابْنَيْنِ وَكتب إِلَيْهِ شهَاب الدّين ابْن يغمور وَقد أهْدى إِلَيْهِ شاهيناً بَدْرِيًّا
(يَا سيد الْأُمَرَاء يَا من قد غَدا ... وَجه الزَّمَان بِهِ منيراً ضَاحِكا)
(وافى لَك الشاهين قبل أَوَانه ... ليفوز قبل الحائمات ببابكا)
(حَتَّى الْجَوَارِح قد غَدَتْ بدرية ... لما رَأَتْ كل الْوُجُود كذالكا)
٣ - (أَمِير سلَاح)
بيليك الْأَمِير الْكَبِير بدر الدّين أَمِير سلَاح الصَّالِحِي وَقيل بكتاش