عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن نباتة الْأُسْتَاذ البارع البليغ الْخَطِيب أَبُو يحيى الحذاقي بِضَم الْحَاء وَبعد الْألف قَاف وحذاقة بطن من قضاعة الفارقي قَالَ سبط بن الْجَوْزِيّ كَانَ يحفظ نهج البلاغة وَعَامة أَلْفَاظه وخطبه من مَعَانِيه وَكَانَ من ميافارقين وَولي خطابة حلب لسيف الدولة وَبهَا اجْتمع بالمتنبي رزق السَّعَادَة فِي خطبه وَكَانَ رجلا صَالحا مولده سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَتُوفِّي سنة أَربع وَسبعين وَثَلَاث مائَة وَقيل مَاتَ قبل السّبْعين وَثَلَاث مائَة وَعمر دون الْأَرْبَعين وَتُوفِّي بميافارقين
قلت فِي ولَايَته خطابة حلب نظر وَكَأَنَّهُم غلطوا فِي مولده أَيْضا وخطبه أحسن من كل الْخطب الَّتِي جَاءَت بعده وَجَمِيع سجعها مُعرب بِخِلَاف المقامات فَإِنَّهَا لَا يلْتَزم الحريري إعرابها اتكالاً على الْوُقُوف على السَّاكِن ويشم من بعض ألفاظها رَوَائِح الاعتزال يظْهر ذَلِك للفضلاء مثل قَوْله وَمن وَجب لَهُ الثَّوَاب وَحقّ عَلَيْهِ الْعقَاب وَغَيره ذَلِك
وَذكر الشَّيْخ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْخَطِيب قَالَ لما عملت خطْبَة الْمَنَام وخطبت بهَا يَوْم الْجُمُعَة رَأَيْت لَيْلَة السبت فِي مَنَامِي كَأَنِّي بِظَاهِر ميافارقين عِنْد الْجَبانَة وَرَأَيْت بهَا جمعا كثيرا بَين الْقُبُور فَقلت مَا هَذَا الْجمع فَقَالَ لي قَائِل هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
وَمَعَهُ الصَّحَابَة فقصدت إِلَيْهِ لأسلم عَلَيْهِ فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ الْتفت إِلَيّ فرآني فَقَالَ يَا خطيب الخطباء كَيفَ تَقول وَأَوْمَأَ إِلَى الْقُبُور قلت لَا يخبرون بِمَا إِلَيْهِ آلوا وَلَو قدرُوا على الْمقَال لقالوا قد شربوا من الْمَوْت كأساً مرّة وَلم يفقدوا من أَعْمَالهم ذرة وآلى عَلَيْهِم الدَّهْر ألية برة أَن لَا يَجْعَل لَهُم إِلَى دَار الدُّنْيَا كرة كَأَنَّهُمْ لم يَكُونُوا للعيون قُرَّة وَلم يعدوا فِي الْأَحْيَاء مرّة أسكتهم وَالله الَّذِي أنطقهم وأبادهم الَّذِي خلقهمْ وسيجدهم كَمَا أخلقهم ويجمعهم كَمَا فرقهم يَوْم يُعِيد الله الْعَالمين خلقا جَدِيدا وَيجْعَل الظَّالِمين لنار جَهَنَّم وقوداً يَوْم تَكُونُونَ شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا وأومأت عِنْد قولي على النَّاس إِلَى الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَعند قولي شَهِيدا إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضراً وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمداً بَعيدا فَقَالَ لي أَحْسَنت ادنه ادنه فدنوت مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ وَجْهي فَقبله وتفل فِي فِي وَقَالَ لي وفقك الله قَالَ فانتبهت من النّوم وَبِي من السرُور مَا يجل عَن الْوَصْف فَأخْبرت أَهلِي مَا رَأَيْت
قَالَ الْكِنْدِيّ بروايته وَبَقِي الْخَطِيب بعد هَذَا الْمَنَام ثَلَاثَة أَيَّام لَا يطعم طَعَاما وَلَا يشتهيه وَيُوجد من فِيهِ مثل رَائِحَة الْمسك وَلم يَعش إِلَّا مُدَّة يسيرَة وَلما اسْتَيْقَظَ الْخَطِيب من مَنَامه كَانَ على وَجهه أثر نور وبهجة لم يكن قبل ذَلِك وقص رُؤْيَاهُ على النَّاس وَقَالَ سماني