مَاتَ فِي حَبسه ثَمَانِيَة عشر ألفا وَعَن مُحَمَّد بن عَليّ الماذرائي قَالَ كنت أجتاز بتربة أَحْمد بن طولون فَأرى شَيخا يلازم الْقَبْر ثمَّ إِنِّي لم أره مُدَّة ثمَّ رَأَيْته فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَ لَهُ علينا بعض الْعدْل إِن لم يكن الْكل فَأَحْبَبْت أَن أَصله بِالْقِرَاءَةِ قلت فَلم انْقَطَعت قَالَ رَأَيْته فِي النّوم وَهُوَ يَقُول لي أحب أَن لَا تقْرَأ عِنْدِي فَمَا تمر بِآيَة إِلَّا قرعت بهَا وَقيل لي أما سَمِعت هَذِه وَكَانَ أَحْمد بن طولون أطيب النَّاس صَوتا بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ حفظ الْقُرْآن وأتقنه وَطلب الْعلم
وتنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن ملك مصر وعمره أَرْبَعُونَ سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ فملكها بضع عشرَة سنة وَخلف من الذَّهَب الْأَحْمَر عشرَة آلَاف ألف دِينَار وَأَرْبَعَة وَعشْرين ألف مَمْلُوك)
وَخلف ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ ولدا ذكرا وَأُنْثَى وست مائَة بغل وَقيل إِن خراج مصر فِي أَيَّامه كَانَ أَرْبَعَة آلَاف ألف دِينَار وَثَلَاث مائَة ألف دِينَار وَولد بسامرا فِي شهر رَمَضَان سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَبوهُ مَمْلُوكا أهداه نوح بن أَسد الساماني إِلَى الْمَأْمُون فِي جملَة رَقِيق وَمَات طولون سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقيل سنة ثَلَاثِينَ وَيُقَال إِن طولون تبنى أَحْمد وَلم يكن ابْنه وَيُقَال كَانَ اسْم أم أَحْمد هَاشم وَكَانَ طولون تركياً من جنس يُقَال لَهُم طغزغز وَكَانَ أَحْمد قد سَأَلَ الْوَزير عبيد الله بن يحيى بن خاقَان فَوَقع لَهُ برزقه على الثغر وَكَانَت أمه مُقِيمَة بسر من رأى فَبَلغهُ أَنَّهَا باكية فَرجع إِلَيْهَا مَعَ رفقه فَخرج عَلَيْهِم جمَاعَة من الْأَعْرَاب فَقَاتلهُمْ أَشد قتال وانتصر عَلَيْهِم وخلص من أَيْديهم أَمْوَالًا حملهَا إِلَى المستعين فَحسن مَكَانَهُ عِنْده وَوَصله بجملة من المَال ووهبه جَارِيَة هِيَ أم ابْنه خمارويه فَلَمَّا خلع الأتراك المستعين فأحدروه إِلَى وَاسِط قَالُوا لَهُ من تخْتَار أَن يكون فِي صحبتك فَقَالَ أَحْمد بن طولون فبعثوه مَعَه وَأحسن صحبته ثمَّ كتب الأتراك إِلَى ابْن طولون بقتل المستعين وَقَالُوا لَهُ إِن قتلته وليناك وَاسِط فَقَالَ لَا يراني الله أقتل خَليفَة بايعته فأنفذوا إِلَى المستعين سعيداً الْحَاجِب فَقتله وَحمل رَأسه إِلَى بغداذ فَدفن ابْن طولون جثته هُنَاكَ بعد أَن غسلهَا وَعَاد إِلَى سر من رأى فزادت محلته عِنْد الأتراك واشتهر بِحسن الْمَذْهَب فولوه مصر نِيَابَة عَن أميرها فَلَمَّا دَخلهَا قَالَ غَايَة مَا وعدت على قتل المستعين ولَايَة وَاسِط فَتركت ذَلِك لأجل الله فولاني مصر وَالشَّام وَحكى بعض المتصوفة أَنه رأى أَحْمد بن طولون فِي النّوم بِحَال حَسَنَة وَهُوَ يَقُول مَا يَنْبَغِي لمن سكن الدُّنْيَا أَن يحقر حَسَنَة فيدعها وَلَا سَيِّئَة فيأتيها عدل بِي عَن النَّار إِلَى الْجنَّة بتثبتي على متظلم عيي اللِّسَان شَدِيد التهيب فَسمِعت مِنْهُ وَصَبَرت عَلَيْهِ حَتَّى قَامَت حجَّته وَتَقَدَّمت بإنصافه وَمَا فِي الْآخِرَة على رُؤَسَاء الدُّنْيَا أَشد من الْحَاجِب الملتمسي الْإِنْصَاف وَتُوفِّي سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَقَامَ بعده وَلَده خمارويه