(فوليت عَنْهَا على غَفلَة ... وَمَا خُنْت ناسي وَلَا ناسها)
قَالَ فَخَجِلَ صاعد وَحلف فَلم يقبل مِنْهُ وافترق الْمجْلس على أَنه سَرَقهَا وتمكنت فِي صاعد لِأَنَّهُ كَانَ يُوصف بِغَيْر الثِّقَة فِيمَا يَنْقُلهُ وَكَانَ كثيرا مَا تستغرب لَهُ الْأَلْفَاظ وَيسْأل عَنْهَا فيجيب فِيهَا بأسرع جَوَاب على نَحْو مَا يحْكى عَن أبي عمر الزَّاهِد وَلَوْلَا أَنه كَانَ كثير المزاح لما حمل إِلَّا على الصدْق وَمِمَّا يحْكى عَنهُ أَنه دخل يَوْمًا على الْمَنْصُور وَبِيَدِهِ كتاب ورد عَلَيْهِ من عَامل لَهُ اسْمه مبرمان ابْن يزِيد يذكر فِيهِ الْقلب والزبيل وهما عِنْدهم من نَبَات الأَرْض قبل زراعتها فَقَالَ لَهُ هَل رَأَيْت أَو وصل إِلَيْك كتاب القوالب والزوالب لمبرمان بن يزِيد قَالَ إِي وَالله يَا مَوْلَانَا بِبَغْدَاد فِي نُسْخَة لأبي بكر ابْن دُرَيْد بِخَط كأكرع النَّمْل فِي جوانبها عَلَامَات فَقَالَ لَهُ أما تستحيي أَبَا الْعَلَاء من هَذَا الْكَذِب هَذَا كتاب عَامل بِبَلَد كَذَا فَجعل يحلف أَنه مَا كذب وَلكنه أَمر وَافق وهنأه يَوْمًا بعيد الْفطر فَقَالَ
(حسبت المنعمين على البرايا ... فألفيت اسْمه صدر الْحساب)
(وَمَا قَدمته إِلَّا كَأَنِّي ... أقدم تالياً أم الْكتاب)
وَمن شعره
(ومهفهف أبهى من الْقَمَر ... قمر الْفُؤَاد بفاتن النّظر)
(خالسته تفاح وجنته ... فأخذتها مِنْهُ على غرر)
(فأخافني قوم فَقلت لَهُم ... لَا قطع فِي ثَمَر وَلَا كثر)
٣ - (الدِّمَشْقِي)
صاعد بن الْحسن الدِّمَشْقِي شَاعِر قدم بَغْدَاد ومدح بهَا الْوَزير أَبَا الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن يُوسُف وَزِير عضد الدولة وَله ديوَان وَمن شعره يصف لَيْلَة وُفُود الصُّبْح
(وليل مَرِيض الْأُفق متقد الحشا ... أراح عَلَيْهِ من سنا الصُّبْح عَائِد)
(إِذا مَا بدا نجم من الْأُفق طالع ... بدا تَحْتَهُ نجم من النَّار وَاقد)
)
(نظمنا عُقُود الشهب فِي جنباته ... فهن لأعناق الدياجي قلائد)
(كَأَن فتيق الصُّبْح ضل دَلِيله ... فَسَار على صدر الدجى وَهُوَ وَاجِد)
(يمد من النيرَان فِي كل تلعة ... إِلَى جِهَة الجوزاء كف وساعد)
(كَأَن الشرار الزهر بَين دخانها ... نُجُوم على صدر المجر حواشد)