فَلَمَّا سَمعه صاعد أنْشد
(عَاد إِلَى عنصره إِنَّمَا ... تخرج من قَعْر البحور الفصوص)
قَالَ الْحميدِي ون عجائب الدُّنْيَا الَّتِي لَا يكَاد يتَّفق مثلهَا أَن صاعد بن الْحسن هَذَا أهْدى إِلَى الْمَنْصُور بن أبي عَامر أيلاً وَكتب مَعَه أبياتاً وَهِي
(يَا حرز كل مخوف وَأما ك ... ل مشرد ومعز كل مذلل)
(جدواك إِن تخصص بِهِ فلأهله ... وتعم بِالْإِحْسَانِ كل مُؤَمل)
(كالغيث طبق فَاسْتَوَى فِي وبله ... شعث الْبِلَاد مَعَ المُرَاد المبقل)
مِنْهَا
(مولَايَ مؤنس غربتي متخطفي ... من ظفر أيامي بأمنع معقل)
(عبد نشلت بضبعه وغرسته ... فِي نعْمَة أهْدى إِلَيْك بأيل)
(سميته غرسية وبعثته ... فِي حبله ليباح فِيهِ تفاؤلي)
(فلئن قبلت فَتلك أَسْنَى نعْمَة ... أسدى بهَا ذُو نعْمَة وتطول)
فقضي فِي سَابق علم الله عز وَجل وَتَقْدِيره أَن غرسية بن شانجه من مُلُوك الرّوم وَهُوَ أمنع من النَّجْم أسر فِي ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه الَّذِي بعث فِيهِ صاعد بالأيل وَسَماهُ غرسية متفائلاً بأسره
وَهَكَذَا فَلْيَكُن الْجد الصاحب للمصحوب انْتهى وَكَانَ صاعد الْمَذْكُور يَوْمًا عِنْد ابْن أبي عَامر الْمَنْصُور وَقد حملت إِلَيْهِ باكورة ورد فَقَالَ
(أتتك أَبَا عَامر وردة ... يحاكي لَك الْمسك أنفاسها)
(كعذراء أبصرهَا مبصر ... فغطت بأكمامها راسها)
فَاسْتحْسن الْمَنْصُور مَا جَاءَ بِهِ فحسده الْحُسَيْن ابْن العريف فَقَالَ هِيَ للْعَبَّاس ابْن الْأَحْنَف وَقَامَ إِلَى منزله وَوضع أبياتاً فِي صفحة دفتر كَانَ قد نقص بعض أسطاره وأتى بهَا قبل افْتِرَاق الْمجْلس وَهِي
(عشوت إِلَى قصر عباسة ... وَقد جدل النّوم حراسها)
(فألفيتها وَهِي فِي خدرها ... وَقد صرع السكر أناسها)
)
(فَقَالَت أسار على هجعة ... فَقلت بلَى فرمت كاسها)
(ومدت إِلَى وردة كفها ... يحاكي لَك الْمسك أنفاسها)
(كعذراء أبصرهَا مبصر ... فغطت بأكمامها راسها)
(وَقَالَت خف الله لَا تفضح ... ن فِي ابْنة عمك عباسها)