حُكيَ لي القَاضِي شرف الدّين النشو من لَفظه غير مرّة لما تولى نظر الْخَاص قَالَ كنت أطلع مَعَ وَالِدي إِلَى القلعة بِالْحِسَابِ فيتقدمني هُوَ بحماره الْقوي وأنقطع أَنا على الْحمار الضَّعِيف والحساب عَلَيْهِ فَلَا أَزَال أضربه بالعصا إِلَى أَن تتكسر ثمَّ أضربه بفردة السرموزة إِلَى أَن تتقطع وأطلع القلعة وَأَنا فِي أنحس حَال وَحكى لي قَالَ لما بطلنا من عِنْد الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الْحَاجِب أَقَمْنَا نبيع من أطرافنا وننفق علينا إِلَى أَن لم يبْق لنا شَيْء فأصبحنا يَوْمًا وَلم نجد مَا نبيعه فجمعنا اللوا لَك الْعتْق وسيرنا أبعناها بِمَا أنفقناه علينا فَقَالَ لي وَالِدي هَذَا آخر الخمول وَمَا بَقِي بعد هَذَا قطوع وَقد قرب الْفرج قَالَ وَكَانَ لي قَمِيص إِذا خرجت)
أَنا لبسته وَإِذا خرج أخي المخلص لبسه فَلَمَّا كَانَ ثَانِي يَوْم نزل عَبدنَا مُفْلِح إِلَى الْبَحْر واصطاد لنا سَمَكَة مليحة سَمِينَة فقلينا بِمَا فِيهَا من الدّهن وَلم يكن لنا مَا تشتري بِهِ سيرجاً فَلَمَّا كَانَ ثَانِي يَوْم لذاك الْيَوْم جَاءَ من طلبني لأخدم عِنْد الْأَمِير عَلَاء الدّين أيدغمش فتوجهت وَقدر الله باتصال الْقِسْمَة وخلع عَليّ فتوجهت بالتشريف إِلَى الشرابيشيين وأبعته واشتريت قماشاً من الشّرْب كثيرا وفصلناه قمصاناً لما وَجَدْنَاهُ من حرقة عدم القمصان
وَكَانَ اسْمه نشء الدولة فَلَمَّا أسلم سَمَّاهُ السُّلْطَان عبد الْوَهَّاب وَقَالَ هَذَا اسْم التَّاج إِسْحَاق وَأرَانِي قبل خروجي من الديار المصرية فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع ماية قَالَ هَذِه الأوراق فِيهَا ثمن المماليك الَّتِي شراها السُّلْطَان من أول مباشرتي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ إِلَى الْآن وَجُمْلَة ذَلِك أَرْبَعَة آلَاف ألف وَسبع مائَة ألف دِينَار
وَأما جراحته فَإِنَّهُ كَانَ من عَادَته مَتى أذن الصُّبْح ركب من بَيته فِي الزريبة وَتوجه إِلَى القلعة فيجلس إِلَى الْبَاب إِلَى أَن يفتح وَيدخل فَلَمَّا كَانَ فِي ثَانِي عشر شهر رَمَضَان سنة سبع أَو ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسبع ماية ركب على عَادَته فَلَمَّا كَانَ خلف الميدان عِنْد أَوله إِلَى جِهَة الْبَحْر لحقه فَارس يطرد فرسه وَبِيَدِهِ سيف مَشْهُور فَقَالَ لَهُ عَبده من وَرَائه يَا سَيِّدي جَاءَك فالفت فَرَأى السَّيْف مسلولاً قَالَ لي فرفست البغلة لأحيد عَنهُ فَأَخَذَتْنِي إِلَيْهِ فَضَربهُ على عضده الْيَسَار وعَلى جنبه إِلَى مربط لِبَاسه ثمَّ تقدمه وضربه أُخْرَى إِلَى خلف فَرفعت البغلة رَأسهَا فجَاء إِلَى حجاج عينهَا وَبَعض أذنيها وَسَقَطت عمَامَته إِلَى الأَرْض فَتوهم أَنه رَأسه وسَاق وَتَركه فَرجع إِلَى الْبَيْت فقطب الجرائحي رَأسه بِسِتَّة إبر وجنبه باثنتي عشرَة إبرة وَلَو لم أر ذَلِك لم أصدقه فَإِن النَّاس ادعوا أَنه ادّعى ذَلِك
٣ - (الْمُقْرِئ الْمَكِّيّ)
عبد الْوَهَّاب بن فليح الْمَكِّيّ الْمُقْرِئ أحد الحذاق فِي الْقِرَاءَة قَرَأَ على دَاوُد ابْن شبْل