(صَاحب صقلية)
رجار ملك الفرنج صَاحب صقلية هلك بالخوانيق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَيُقَال فِيهِ أَجَارَ بِهَمْزَة بدل الرَّاء وجيم مُشَدّدَة وَبعد الْألف رَاء وَكَانَ فِيهِ محبَّة لأهل الْعُلُوم الفلسفية
وَهُوَ الَّذِي استقدم الشريف الإدريسي صَاحب كتاب نزهة المشتاق فِي اختراق الْآفَاق من العدوة إِلَيْهِ ليضع لَهُ شَيْئا فِي شكل صُورَة الْعَالم
فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أكْرم نزله وَبَالغ فِي تَعْظِيمه فَطلب مِنْهُ شَيْئا من الْمَعَادِن ليضع مِنْهُ مَا يُرِيد
فَحمل إِلَيْهِ من الْفضة الْحجر وزن أَربع مائَة ألف دِرْهَم
فَصنعَ مِنْهَا دوائر كَهَيئَةِ الأفلاك وَركب بَعْضًا على بعض ثمَّ شكلها لَهُ على الْوَضع الْمَخْصُوص فأعجب بهَا رجار وَدخل فِي ذَلِك ثلث الْفضة وأرجح بِقَلِيل وَفضل لَهُ مَا يُقَارب الثُّلثَيْنِ فَتَركه لَهُ إجَازَة وأضاف لذَلِك مائَة ألف دِرْهَم ومركباً موسقاً كَانَ قد جَاءَ إِلَيْهِ من برشلونة بأنواع الأجلاب الرومية الَّتِي تجلب للملوك
وَسَأَلَهُ الْمقَام عِنْده وَقَالَ لَهُ أَنْت من بَيت الْخلَافَة وَمَتى كنت بَين الْمُسلمين عمل مُلُوكهمْ على قَتلك وَمَتى كنت عِنْدِي أمنت على نَفسك فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك ورتب لَهُ كِفَايَة لَا تكون إِلَّا للملوك
وَكَانَ يَجِيء إِلَيْهِ رَاكب بغلة فَإِذا صَار عِنْده تنحى لَهُ عَن مَجْلِسه فيأبى فيجلسان مَعًا وَقَالَ لَهُ أُرِيد تَحْقِيق أَخْبَار الْبِلَاد بالمعاينة لَا بِمَا ينْقل من الْكتب
فَوَقع اختيارهما على أنَاس ألباء فطناء أذكياء وجهزهم رجار إِلَى أقاليم الشرق والغرب جنوباً وَشمَالًا وسفر مَعَهم قوما مصورين ليصوروا مَا يشاهونه عيَانًا وَأمرهمْ بالتقصي والاستيعاب لما لَا بُد من مَعْرفَته فَكَانَ إِذا حضر أحد مِنْهُم بشكل أثْبته الشريف الإدريسي حَتَّى تَكَامل لَهُ مَا أَرَادَ وَجعله مصنفاً وَهُوَ كتاب نزهة المشتاق الَّذِي للشريف الإدريسي
وَكَانَ رجار الْمَذْكُور قد أَخذ طرابلس الغرب عنْوَة بِالسَّيْفِ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سادس الْمحرم سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة وَقتل أَهلهَا وسبى الْحَرِيم والأطفال وَأخذ الْأَمْوَال
ثمَّ إِنَّه شرع فِي تحصينها بِالرِّجَالِ وَالْعدَد ثمَّ إِنَّه أَخذ المهدية سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخمْس مائَة لِأَن صَاحبهَا الْحسن بن عَليّ بن يحيى بن تَمِيم بن المُعزّ الصنهاجي عجز عَن مقاومته فَخرج من المهدية هَارِبا بِمَا خف من النفائس وَخرج من قدر على الْخُرُوج على مَا تقدم فِي تَرْجَمَة الْحسن بن عَليّ الْمَذْكُور)
وَلما هلك رجار ملك بعده وَلَده غليلم بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَبَين اللامين الساكنتين يَاء آخر الْحُرُوف مَفْتُوحَة وَبعد اللَّام الثَّانِيَة مِيم وَعَلِيهِ قدم ابْن قلاقس الإسكندري الشَّاعِر فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وامتدحه بقصيدة أَولهَا من الطَّوِيل