فَأول ذَلِك أَنه كَانَ يكْتب للصاحب على عنوان كتبه عَبده وصنيعه وغرسه عبد الْجَبَّار فَلَمَّا رأى مَنْزِلَته مِنْهُ ومعرفته لحقه وإقباله عَلَيْهِ كتب عَبده وصنيعه ثمَّ كتب غرسه فَقَالَ الصاحب لجلسائه إِن تطاول مقَام القَاضِي عندنَا عنون كتبه إِلَيْنَا الْجَبَّار وَترك مَا سواهُ من اسْمه وَلما مَاتَ الصاحب كَانَ يَقُول أَنا لَا أترحم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يظْهر تَوْبَته فطعن النَّاس عَلَيْهِ بذلك ومقتوه مَعَ كَثْرَة إِحْسَان الصاحب إِلَيْهِ وَكَانَ عَاقِبَة ذَلِك أَن قبض فَخر الدولة عَلَيْهِ بعد موت الصاحب وصادره على ثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم وعزله عَن قَضَاء الرّيّ وَولى مَكَانَهُ القَاضِي أَبَا الْحسن عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْجِرْجَانِيّ الْعَلامَة صَاحب التصانيف الَّتِي مِنْهَا الوساطة وَيُقَال إِن عبد الْجَبَّار بَاعَ فِي مصادرته ألف طيلسان مصري
وَهُوَ شيخ الْمُعْتَزلَة وَرَئِيس طائفتهم يزْعم أَن الْمُسلم يخلد فِي النَّار على ربع دِينَار وَجمع هَذَا المَال من الْقَضَاء وَالْحكم بالظلم والرشا وتولاها عَن قوم هم فِي مذْهبه ظلمَة بل كفرة
٣ - (أَبُو يعلى الديناري)
عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْيَمَان الديناري أَبُو يعلى من أهل الْبيُوت الْمَذْكُورَة وَذَوي الْأَنْسَاب كَانَ وَالِده يزور على خطّ أبي عَليّ بن مقلة تزويراً لَا يكَاد يفْطن لَهُ
وَكَانَ أَبُو يعلى فِيهِ فَضَائِل جمة من درس الْقُرْآن وَالْفِقْه وَرِوَايَة الْأَخْبَار وَحفظ دواوين)
الْأَشْعَار وَمَعْرِفَة تَامَّة بالنحو واللغة وإنشاء الرسائل وَكَانَ عَارِفًا بِأُمُور الْمِيَاه والضياع وَله بَصِيرَة جَيِّدَة بأحوال الْمصَالح ويميل إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة وَيَدعِي الفروسية ويتعاطاها وواقع الْعَرَب عدَّة وقعات
وَأورد لَهُ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء قَوْله فِي الشمعة السَّرِيع
(فالليل صبح كلما استوقدت ... والمنزل الموحش كالآهل)
(تشبه مني كلما حل بِي ... عِنْد صدود الرشاء الخاذل)
(صفرَة لون إِن تأملتها ... مثل بوادي لوني الْحَائِل)
(وأدمعي تجْرِي وَلَا ينثني ... كدمعها المنسبل الهامل)
(وزفرتي ترقا كَمَا ترتقي ... زفرتها شوقاً إِلَى قاتلي)
(والجسم مني محرق ذابلٌ ... كقلبها المحترق الذابل)
(وَالنَّار من قلبِي وَمن قَلبهَا ... تذيب جسميناً وَلَا تأتلي)