وَالله المشكور وَبِه الْمُسْتَعَان فِي جَمِيع الْأُمُور وَهُوَ الْخَلِيفَة عَلَيْكُم لي وَعلي لكم وَالسَّلَام
٣ - (ابْن الْجنان الشاطبي)
مُحَمَّد بن مُحَمَّد كَذَا قرأته على الشَّيْخ أثير الدّين أبي حَيَّان وَأَخْبرنِي الشَّيْخ شمس الدّين الذَّهَبِيّ وَمن خطه نقلت أَنه مُحَمَّد بن سعيد بن مُحَمَّد بن هِشَام بن الْجنان بتَشْديد النُّون بعد الْجِيم الشَّيْخ فَخر الدّين أَبُو الْوَلِيد الْكِنَانِي الشاطبي الْحَنَفِيّ ولد سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة بشاطب وَقدم الشأم وَصَحب الصاحب كَمَال الدّين ابْن العديم وَولده فاجتذباه بإحسانهما ونقلاه من مَذْهَب مَالك إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة ودرس بالإقبالية وَكَانَ أديباً فَاضلا وشاعراً محسناً وَكَانَ يخالط الأكابر وَفِيه حسن الْعشْرَة والمزاح توفّي سنة خمس وَسبعين وست مائَة أَخْبرنِي الشَّيْخ فتح الدّين ابْن سيد النَّاس قَالَ أَخْبرنِي وَالِدي قَالَ كُنَّا عِنْد القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان وَهُوَ يَنُوب فِي الحكم بِالْقَاهِرَةِ وَالشَّيْخ فَخر الدّين ابْن الْجنان حَاضر وَهُوَ إِلَى جَانِبي فَأَنْشد أبياتاً لَهُ وَهِي الْكَامِل
(عرف النسيم بعرفكم يتعرف ... وأخو الغرام بحبهم يتشرف)
(شرف المتيم فِي هواهم أَنه ... طوراً ينوح وَتارَة يتلهف)
(لطفت مَعَانِيه فَهَب مَعَ الصِّبَا ... فرقيبه بهبوبه لَا يعرف)
(وَإِذا الرَّقِيب درى بِهِ فَلِأَنَّهُ ... أخْفى لَدَيْهِ من النسيم وألطف)
(وَلِأَنَّهُ يعدو النسيم دِيَارهمْ ... وَلها على تِلْكَ الربوع توقف)
فَقَالَ القَاضِي شمس الدّين يَا شيخ فَخر الدّين لطّفته لطفته إِلَى أَن عَاد لَا شَيْء فَالْتَفت إِلَيّ وَقَالَ بِلِسَانِهِ الكاضي حمَار هوّس مالو ذوك شي يَعْنِي القَاضِي حمَار مَاله ذوق وأنشدني لَهُ الشَّيْخ أثير الدّين أَبُو حَيَّان المجتث
(أفناني الْقَبْض عني ... حَتَّى تلاشى وجودي)
(وَجَاءَنِي الْبسط يحيى ... روحي بِفضل وجودي)
(فَقلت للنَّفس شكرا ... لذاك بِالنَّفسِ جودي)
)
(وَقمت أشطح سكرا ... فغبت عَن ذَا الْوُجُود)
وَقَالَ ابْن الْجنان الْكَامِل
(ذكر العذيب فَمَال من سكر الْهوى ... صب على صحف الغرام قد انطوى)
(يبكي على وَادي العقيق بِمثلِهِ ... ويميل من طرب بمنعطف اللوى)
(وجهت وَجْهي نحوهم فوحقهم ... لَا أَبْتَغِي غيراً وَلَا أَرْجُو سوى)
(وبمهجتي معبود حسن مِنْهُم ... فَلِذَا على عرش الْقُلُوب قد اسْتَوَى)
(أوحى إِلَى قلبِي الَّذِي أوحى لَهُ ... فعجبت كَيفَ نطقت فِيهِ عَن الْهوى)