الْملك النَّاصِر مُحَمَّد وَرمى ببين يَدَيْهِ دِينَارا ودرهماً وفلساً وَقَالَ يَا خوند الدِّينَار فِي حلب للمباشرين وَالدِّرْهَم للنائب والفلس لَك
فتأذى السُّلْطَان من ذَلِك واستشاط غَضبا وَطلب الْجَمِيع من حلب على الْبَرِيد فَحَضَرُوا وسلمهم إِلَيْهِ وَكَانَ يقْعد بقاعة الوزارة ويستحضرهم ويقتلهم بالمقارع
وَكَانَ النَّاس قد طَال عَهدهم بهَا من أَيَّام القَاضِي كريم الدّين الْكَبِير
وَبَالغ فِي أَذَى أهل حلب فَأنْكر أهل مصر ذَلِك وَسَاءَتْ سمعته ذَلِك الْيَوْم ورثى النَّاس للمباشرين
فَوقف النَّاس لَهُ ليرجموه إِذا نزل آخر النَّهَار من القلعة فَعلم بذلك وَدخل إِلَى السُّلْطَان وعرفه ذَلِك فَزَاد غضب السُّلْطَان وَلم ينزل من الْقَاهِرَة وَرُبمَا أَنه جعل مَعَه أوشاقية يَحْفَظُونَهُ من)
النَّاس فَلم يزل يعاقبهم حَتَّى استصفى أَمْوَالهم وَأَخذهم مَعَه وَتوجه إِلَى حلب وَقد أمره السُّلْطَان وَجعله شاد الدَّوَاوِين بحلب
فَتوجه غليها وصادر وعاقب وتنوع حَتَّى أباع النَّاس أَوْلَادهم
وَزَاد فِي الْخِيَانَة فَبلغ الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان فسير أحضرهُ فطلع بتقادم عَظِيمَة فقبلها السُّلْطَان وَجعله بَين يَدي الْأَمِير سيف الدّين الأكز مشد الدَّوَاوِين بِالْقَاهِرَةِ فَزَاد تسلطه على النَّاس وَكَرِهَهُ الأكز فَأخذ يَوْمًا الْعَصَا وضربه إِلَى أَن خرب عمَامَته وَخرج إِلَى برا وَهُوَ كَذَلِك فراح إِلَى النشو نَاظر الْخَواص وَاتفقَ مَعَه وَدخل عَلَيْهِ فعملا على الأكز وَأَخْرَجَاهُ إِلَى الشَّام وولاه السُّلْطَان شدّ الدَّوَاوِين بِالْقَاهِرَةِ فَعمل ذَلِك وَزَاد طغيانه وعتوه
ثمَّ إِن السُّلْطَان غضب عَلَيْهِ وأحضر الْأَمِير علم الدّين سنجر الْحِمصِي من الشَّام وولاه شدّ الدَّوَاوِين بِالْقَاهِرَةِ وَسلمهُ بدر الدّين لُؤْلُؤ المذكذور فَضَربهُ بعض ضرب وَقعد مُدَّة فِي الاعتقال ثمَّ خرج إِلَى حلب أَظُنهُ مشداً وَالله أعلم
فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن حضر الْأَمِير سيف الدّين طشتمر حمص أَخْضَر نَائِب حلب وَمَعَهُ سيف الدّين بهادر الكركري مشد الدَّوَاوِين فَغَضب عَلَيْهِ وَسلمهُ إِلَيْهِ فَقتله بالمقارع إِلَى أَن مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
حكى لي الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْأَكْفَانِيِّ قَالَ أعرف هَذَا لُؤْلُؤ وَهُوَ عِنْد فندش أَو قَالَ قبل وُصُوله إِلَى فندش وَهُوَ يَبِيع أساقط الْغنم والقصاب والتعاشير وَغير ذَلِك فِي لقين قدامه على الطَّرِيق وَرُبمَا حمل ذَلِك على رَأسه وَدَار بِهِ للْبيع
٣ - (المنقذي الصياد)
لُؤْلُؤ بن عبد الله أَبُو الدّرّ الصياد مولى ابْن منقذ الإسْكَنْدراني قَالَا لحافظ وجيه الدّين أَبُو المظفر مَنْصُور الْآتِي ذكره فِي الدرة السّنيَّة فِي تَارِيخ الْإسْكَنْدَريَّة سَمِعت مِنْهُ قَدِيما جملا من شعره قَالَ يمدح آقش العادلي مُتَوَلِّي الثغر
(أهدي نسيم قدومكم لما سرى ... لي عنبراً عبقاً ومسكاً أذفرا)
(ووشت بكم فِي الرَّوْض أنفاس الصِّبَا ... فتعطر الرَّوْض الأنيق وأزهرا)