رجل السُّلْطَان فِي ركابه فلمس رَأسه بِيَدِهِ وَقَالَ أَخذنَا ثأرك طيب قَلْبك أَنْت مَكَان أَبِيك
وَأمر لَهُ بِكِتَابَة أَمْلَاك أَبِيه وَهِي القرايا الَّتِي بِأَيْدِيهِم بستين فَارِسًا وَلم يزَالُوا على ذَلِك إِلَى أَيَّام الْمَنْصُور قلاوون
فَذكر أَوْلَاد تغلب من مشغرا قُدَّام الشجاعي أَن بيد الجبلية أملاكاً عَظِيمَة بِغَيْر اسْتِحْقَاق وَمن جُمْلَتهمْ أُمَرَاء الغرب وتوجهوا مَعَه إِلَى مصر فرسم الْمَنْصُور بإقطاع أَمْلَاك الجبلية مَعَ بِلَاد طرابلس لجندها وأمرائها فأقطعت لعشرين فَارِسًا من طرابلس
فَلَمَّا كَانَ أَيَّام الْملك الْأَشْرَف توجهوا إِلَيْهِ وسألوه أَن يخدموا على أملاكهم بالعدة فرسم لَهُم بهَا وَأَن يزيدوها عشرَة أرماحٍ أخر
وَلما كَانَ أَيَّام الروك فِي الْأَيَّام التنكزية وكشفها عَلَاء الدّين بن معبد حصل من تفضول فِي حَقهم فرسم السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَن تستمر عَلَيْهِم بمضاعفة الْعدة فاستقرت عَلَيْهِم بستين فَارِسًا وَهِي إِلَى الْآن باقيةٌ على هَذَا الْحَال
وَأما هَذَا نَاصِر الدّين فَإِنَّهُ كثير المكارم وَالْإِحْسَان يخْدم كل من يتَوَجَّه إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَة وَهُوَ مقيمٌ بقرية أعبية بِالْجَبَلِ وَله دارٌ حَسَنَة فِي بيروت يخْدم الغادي والرائح وَيهْدِي إِلَى أكَابِر النَّاس وأعيان الدولة
وَكنت قد تَوَجَّهت إِلَى بيروت وَلَك يكن بهَا فسير إِلَيّ قَاصِدا يطلبني لأتوجه إِلَيْهِ إِلَى أعبية فَرَأَيْت الْحَرَكَة تشق عَليّ فاعتذرت فَحَضَرَ هُوَ بعد أيامٍ بَعْدَمَا تفضل وَأحسن وَاجْتمعت بِهِ وَرَأَيْت مِنْهُ رياسةً كَثِيرَة
وَهُوَ يعرف عدَّة صنائع أتقنها وَيكْتب جيدا ويترسل وَفِيه عدَّة فَضَائِل وَلما اجْتمعت بِهِ ببيروت أنشدته من الْكَامِل
(مَا زرت فِي أعبية قصد الجفا ... ربعا تشرف بالأمير حُسَيْن)
(ورأيته فِي ثغر بيروت الَّذِي ... بنداه أصبح مجمع الْبَحْرين)
وَسَأَلته عَن مولده فَقَالَ فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَلما كبر وأسن نزل عَن)
إمرته لوَلَده الْأَمِير زين الدّين صَالح وَبَقِي بعد ذَلِك قَرِيبا من سنتَيْن ثمَّ إِنَّه توفّي رَحمَه الله تَعَالَى فِي نصف شَوَّال سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة
٣ - (الْحُسَيْن بن دَاوُد أَبُو عَليّ الْبَلْخِي)
الْحُسَيْن بن دَاوُد بن معَاذ الأديب الْعَلامَة نزيل نيسابور أحد المتروكين توفّي فِي حُدُود التسعين والمائتين