بولش هُوَ الْملك ريد افرنس الْمَعْرُوف بالفرنسيس أجل مُلُوك الفرنج وأعظمهم قدرا وَأَكْثَرهم عَسَاكِر وأموالاً وبلاداً قصد الديار المصرية وَاسْتولى على طرف مِنْهَا وَملك دمياط سنة سلبع وَأَرْبَعين وست مائَة وَاتفقَ موت الْملك الصَّالح نجم الدّين وتملك الْمُعظم توران شاه الْآتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مَوْضِعه وَقتل فَقدر الله تَعَالَى بأسره فَبَقيَ فِي أَيدي الْمُسلمين مُدَّة ثمَّ أطلق بعد تَسْلِيم دمياط إِلَى الْمُسلمين وَتوجه إِلَى بِلَاده وَفِي قلبه مِمَّا جرى عَلَيْهِ من ذهَاب أَمْوَاله وَأسر رِجَاله فَبَقيت نَفسه تحدثه بِالْعودِ إِلَى مصر لأخذ ثَأْره فاهتم بذلك اهتماماً كثيرا فِي مُدَّة سِنِين إِلَى سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة وَقصد مصر فَقيل لَهُ إِن قصدت مصر رُبمَا يجْرِي لَك مثل الْمرة الأولى وَالْأولَى أَن تقصد تونس وَكَانَ ملكهَا يَوْمئِذٍ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْوَاحِد الملقب الْمُسْتَنْصر بِاللَّه فَإنَّك إِن ظَهرت عَلَيْهِ تمكنت من قصد مصر فِي الْبر وَالْبَحْر فقصد تونس وَكَاد يستولي عَلَيْهَا وَمَعَهُ جمَاعَة من الْمُلُوك فأوقع الله فِي عسكره وباءً عَظِيما فَهَلَك ريد افرنس سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَرجع من بَقِي من عسكره إِلَى بِلَادهمْ بالخيبة ووصلت الْبُشْرَى بذلك إِلَى الْملك الظَّاهِر بيبرس
وَلما أسر ريد افرنس نوبَة دمياط بعد قتل أَصْحَابه تسلمه الطواشي جمال الدّين محيسن هُوَ وَجَمَاعَة كَانُوا مَعَه على تل بالأمان وَضرب فِي رجلَيْهِ قيد واعتقل فِي الدَّار الَّتِي كَانَ بهَا فَخر الدّين بن لُقْمَان كَاتب الْإِنْشَاء نازلاً وَذَلِكَ بالمنصورة ووكل الطواشي جمال الدّين صبيح المعظمي فَلذَلِك قَالَ الصاحب جمال الدّين بن مطروح لما بلغ الْمُسلمين عود ريد افرنس إِلَى الديار المصرية
(قل للفرنسيس إِذا جِئْته ... مقَال صدق من قؤول نصيح)
(آجرك الله على مَا جرى ... من قتل عباد يشوع الْمَسِيح)