يكلم الْمَأْمُون فِي أمره فَلَمَّا وجد خلْوَة شرح لَهُ مَا جرى من أمره أجمع فَأمر الْمَأْمُون بإحضاره فَلَمَّا وقف بَين يَدَيْهِ قَالَ لَهُ يَا عدوَّ الله تَأْخُذ مَالِي وتشتري بِهِ غُلَاما حَتَّى يفر مِنْك فارتاع لذَلِك وتلجلج لِسَانه فَقَالَ جعلت فدَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا فعلت قَالَ ضع يدك على رَأْسِي واحلف أنّك لم تفعل فَجعل مُحَمَّد بن يزْدَاد يَأْخُذ بِيَدِهِ لذَلِك والمأمون يضْحك ويشي إِلَيْهِ أَن ينحيها ثمَّ أَمر لَهُ بإجراء رزق وَاسع فِي كل شهر وَوَصله مرّة بعد مرّة حَتَّى أغناه وَكَانَ يُعجبهُ خطّه
٣ - (النهرجوري الشَّاعِر)
أَبُو أَحْمد الْعَرُوضِي النهروجوري الشَّاعِر لَهُ فِي الْعرض تصانيف وَهُوَ حاذق فِيهِ يجْرِي مجْرى أبي الْحُسَيْن الْعَرُوضِي والعمراني وَغَيرهمَا وَهُوَ فِي الشّعْر متوسط الطَّبَقَة مَاتَ قبل الثَّلَاث وَأَرْبَعمِائَة لظُهُور قمل فِي جِسْمه فَكَانَ يحكّه إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ شَيخا قَصِيرا شَدِيد الأدمة سخيف اللبسة وسخ الْجُمْلَة سيءّ الْجُمْلَة سيءّ الْمَذْهَب متظاهراً بالإلحاد غير مكاتم لَهُ وَلم يتَزَوَّج قطّ وَلَا أعقب وَكَانَ قوي الطَّبَقَة فِي الفلسفة وعلوم الْأَوَائِل متوسطاً فِي الْعَرَبيَّة
وَكَانَ ثلاّبة للنَّاس هجاء قَلِيل الشُّكْر لمن يحسن إِلَيْهِ من شعره
(من عاذري من رئيسٍ ... يعدُّ كسبي حسبي)
(لما انْقَطَعت إِلَيْهِ ... حصلت مُنْقَطِعًا بِي)
)
فَسمع ذَلِك أَبُو الْعَبَّاس ابْن ماسرجس فَقَالَ هَذَا تَدْلِيس مِنْهُ وَأَنا الْمَقْصُود بالهجو وإنّما قَالَ من عاذري من وزيرٍ فَلَمَّا مَاتَ النهرجوري حملت مسوّداته إِلَيْهِ فَوجدَ الْقطعَة كَمَا قَالَ
وَقَالَ يهجو امْرَأَة
(تَمُوت من شَهْوَة الضراط وَلَا ... يسعدها دبرهَا بتصويت)
(كأنّها إِذْ تناك خابية ... تغسل ملقيةً لتزفيت)
وَقَالَ أَيْضا
(لَو كَانَ يُورث بالمشابه ميت ... لملكت بالأعضاء مَا لَا يملك)
(نغل مخايله تخبِّر أنّه ... فِي النَّاس من نطف الْجَمِيع مشبّك)
ومدح أَبَا الْفرج مَنْصُور بن سهل الْمَجُوسِيّ عَامل الْبَصْرَة فَأعْطَاهُ صلَة حَاضِرَة هنيَّة فالتف بِهِ الْحَاشِيَة فطالبوه فَكتب رقْعَة وَدفعهَا إِلَى بعض الداخلين إِلَيْهِ وَقَالَ سلّم هَذِه إِلَى الْأُسْتَاذ وَكَانَ فِيهَا
(أجازني الْأُسْتَاذ عَن مدحتي ... جَائِزَة كَانَت لأَصْحَابه)
(وَلم يكن حظّي مِنْهُ سوى ... جهبذتي يَوْمًا على بَابه)
فلمّا وصلت الرقعة إِلَيْهِ خرَّج فِي الْحَال من صرف الْحَاشِيَة عَنهُ وَصَارَ مَعَه حَتَّى دخل منزله