مَجْلِسا عَاما فَدخل إِلَيْهِ المتظلمون وَالنَّاس على طبقاتهم فَنظر فِي أُمُورهم فَمَا انْصَرف أحد مِنْهُم إِلَّا بِولَايَة أَو صلةٍ أَو قَضَاء حاجةٍ أَو بر أَو إنصاف من مظْلمَة أَو توقيعٍ فِي مصلحَة ضيعةٍ أَو نظرٍ فِي خراج أَو حالٍ يسره وَبَقِي رجل فَقَامَ إِلَيْهِ من آخر الْمجْلس وَسَأَلَهُ تسبيب إِجَارَة ضَيْعَة فَقَالَ إِن الْأَمِير يغي الْمُوفق أَمرنِي أَن لَا أسبب شَيْئا إِلَّا عَن أمره وَأَنا أكتب إِلَيْهِ فِي ذَلِك فَقَالَ الرجل مَتى تركني الْوَزير أَو أخر حَاجَتي فسد حَالي فَقَالَ لأبي مَرْوَان عبد الْملك بن مُحَمَّد اكْتُبْ حَاجته فِي التَّذْكِرَة الَّتِي تحضرني لتَكون فِيمَا أكاتب بِهِ الْأَمِير فولى الرجل غير بعيد ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ أيأذن لي الْوَزير فِي الْكَلَام فَقَالَ قل فَأَنْشَأَ يَقُول من الْخَفِيف)
(لَيْسَ فِي كلّ دولةٍ وَأَوَان ... تتهيّا صنائعُ الإحسانِ)
(وَإِذا أمكنَتْك يَوْمًا من الده ... ر فبادِرْ بهَا صروف الزَّمَان)
(وتشاغلْ بهَا ولاتَلْهُ عَنْهَا ... حَذَراً من تعذُّر الْإِمْكَان)
قَالَ فَقَالَ لي يَا أَبَا الْعَبَّاس اكْتُبْ لي بتسبيب إِجَارَة ضيعته السَّاعَة وَأمر هَارُون بن عمرَان الجهبذ أَن يدْفع إِلَيْهِ من يَوْمه من مَاله خَمْسمِائَة دِينَار قَالَ فَخرجت فَكتبت لَهُ ذَلِك وَقبض المَال من وقته وأخباره فِي المكارم كَثِيرَة وَمن شعره من السَّرِيع
(مَا آن للمعشوق أَن يَرحما ... قد أنحل الْجِسْم وأبكي الدِّما)
(ووكَّل العينَ بتِسْهادها ... تَفْديه نَفسِي ظَالِما حَكَما)
(وسُنّة المعشوق أَن لَا يرى ... فِي قتْل مَن يعشقه مأثما)
(لَو راقب الله شفى غُلّتي ... والعدلُ أَن يُبرِئ من أسقما)
٣ - (وَمِنْه من السَّرِيع)
(يَا ذَا الَّذِي تكْتب عَيناهُ ... باللحظ مَا لَا يتهجّاهُ)
(إِن كنتَ ذَا جهل بحبّي فقد ... جهلت مَا يُعلمهُ اللهُ)
وَقَالَ فِيهِ ابْن أبي فنن الشَّاعِر من السَّرِيع
(قفْ يَا أَبَا الصَّقْر فكم طائرٍ ... خرّ صَرِيعًا بعد تحليقِ)
(زُوِّجتَ نُعمى لم تكًنْ كُفْأها ... قَضى لَهَا اللهُ بتطليقِ)
(وكلّ نُعمْى غيرُ مشكورة ... رهنُ زوالٍ بعد تمحيق)
(لَا قُدِّسَتْ نُعْمى تسربلتَها ... كم حجّةٍ فِيهَا لزِنديقِ)
وَقد تقدم فِي تَرْجَمَة إِبْرَاهِيم بن عِيسَى الدمن الْمَدَائِنِي مَا هجا بِهِ الْمَذْكُور إِسْمَاعِيل بن بلبل