(تعال نحقق ظنهم لنريحهم ... من الْإِثْم فِينَا مرّة ونتوب)
قلت أَخذه من قَول الْقَائِل
(قُم بِنَا تفديك نَفسِي ... نجْعَل الشَّك يَقِينا)
(فَإلَى كم يَا حَبِيبِي ... يَأْثَم الْقَائِل فِينَا)
وَأخذ هَذَا من قَول الأول
(مَا أنس لَا أنسَ قَوْلهَا بمنى ... وَيحك إِن الوشاة قد علمُوا)
(ونم واشٍ بِنَا فَقلت لَهَا ... هَل لَك يَا هِنْد فِي الَّذِي زَعَمُوا)
(قَالَت لماذا ترى فَقلت لَهَا ... كي لَا تضيع الظنون والتهم)
قلت أَنا كَأَنِّي حَاضر خطابهما)
(هَذَا محب وَمَا يخلصه ... فِي دينه إِن وشاته أثموا)
(فواصليه واصغي لمغلطةٍ ... يقبلهَا من طباعه الْكَرم)
(يَا وَيْح وصل أَتَى بمغلطة ... إِن كنت لم يرع عنْدك الذمم)
وَلَكِن المكرم فِي مَعْنَاهُ زِيَادَة على من تقدمه وَقَوله ثِقَة بِالْعَفو من أحسن متممات البلاغة وأنشدني الشَّيْخ أثير الدّين قَالَ أَنْشدني فتح الدّين أَبُو عبد الله الْبكْرِيّ قَالَ أَنْشدني ابْن المكرم لنَفسِهِ
(بِاللَّه إِن جزت بوادي الْأَرَاك ... وَقبلت عيدانه الْخضر فَاك)
(ابْعَثْ إِلَى الْمَمْلُوك من بعضه ... فإنني وَالله مَا لي سواك)
قلت مَا أعرف فِي كتب الْأَدَب شَيْئا إِلَّا وَقد اخْتَصَرَهُ جمال الدّين بن المكرم فمما اخْتَصَرَهُ كتاب الأغاني ورتبه على الْحُرُوف وزهر الْآدَاب وَكتاب الْحَيَوَان فِيمَا أَظن واليتيمة والذخيرة ونشوار المحاضرة وَغير ذَلِك حَتَّى مُفْرَدَات ابْن البيطار وَكَانَ يختصر وَيكْتب فِي ديوَان الْإِنْشَاء وَاخْتصرَ تَارِيخ ابْن عَسَاكِر وتاريخ الْخَطِيب وذيل ابْن النجار وَجمع بَين كتاب الصِّحَاح للجوهري والمحكم لِابْنِ سَيّده وَكتاب الْأَزْهَرِي فجَاء ذَلِك فِي سَبْعَة وَعشْرين مجلداً وَرَأَيْت أَولهَا وَقد كتب عَلَيْهِ أهل ذَلِك الْعَصْر يقرظونه ويصفونه بالْحسنِ كالشيخ بهاء الدّين ابْن النّحاس وشهاب الدّين مَحْمُود وَغَيره ومحيي الدّين بن عبد الظَّاهِر فِيمَا أَظن وَأَخْبرنِي من لَفظه وَلَده قطب الدّين بقلعة الْجَبَل فِي ديوَان الْإِنْشَاء أَن وَالِده مَاتَ وَترك بِخَطِّهِ خمس مائَة مُجَلد