للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هَذَا لفاظة ترتجع من الأفواه وَأَنا أكره ذَلِك فِي مجْلِس الْأَمِير فَقَالَ عبد الله لَيْسَ بصاحبك مِمَّن احتشمك واحتشمته أما إِنَّه لَو قسم عقلك على مائَة رجل لصار كل رجل مِنْهُم عَاقِلا وَلما قلد الْمَأْمُون عبد الله بن طَاهِر ولَايَة خُرَاسَان وناوله الْعَهْد بِيَدِهِ قَالَ حَاجَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ مقضية قَالَ يسعفني أَمِير الْمُؤمنِينَ باستصحاب ثَلَاثَة من الْعلمَاء قَالَ من هم قَالَ الْحُسَيْن بن الْفضل البَجلِيّ وَأَبُو سيعد الضَّرِير وَأَبُو إِسْحَاق الْقرشِي فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك فَقَالَ عبد الله وطبيب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَيْسَ فِي خُرَاسَان طَبِيب حاذق قَالَ من قَالَ أَيُّوب الرهاوي قَالَ يَا أَبَا الْعَبَّاس لقد أسعفناك بِمَا التمسته وَقد أخليت الْعرَاق من الْأَفْرَاد

وَكَانَ أَبُو سيعد يَوْمًا فِي مَجْلِسه إِذا هجم عَلَيْهِ مَجْنُون من أهل قُم فَسقط على جمَاعَة من أهل الْمجْلس فاضطرب النَّاس لسقوطه ووثب أَبُو سعيد لَا يشك أَن ذَلِك آفَة لحقتهم من سُقُوط جِدَار أَو شرود بَهِيمَة فَلَمَّا رَآهُ الْمَجْنُون على تِلْكَ الْحَالة قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين على رسلك يَا شيخ لَا ترع آذَانِي هَؤُلَاءِ الصّبيان وأخرجوني عَن طبعي إِلَى مَا لَا استحسنه من يغري فَقَالَ أَبُو سعيد امنعوا مِنْهُ عافاكم الله فَوَثَبُوا وشردوا من كَانَ يعبث بِهِ وَسكت سَاعَة لَا يتَكَلَّم إِلَى أَن عَاد الْمجْلس إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من المذاكرة فابتدأ بَعضهم بِقِرَاءَة قصيدة من شعر نهشل بن جرير التَّمِيمِي حَتَّى بلغ قَوْله

(غلامان خاضا الْمَوْت من كل جَانب ... فآبا وَلم يعْقد وراءهما يَد)

)

(مَتى يلقيا قرنا فَلَا بُد أَنه ... سيلقاه مَكْرُوه من الْمَوْت أسود)

فَمَا استتم هَذَا الْبَيْت حَتَّى قَالَ الْمَجْنُون قف يَا أَيهَا الْقَارئ تتجاوز الْمَعْنى وَلَا تسْأَل عَنهُ مَا معنى قَوْله وَلم يعْقد وراءهما يَد فَأمْسك من حضر عَن القَوْل فَقَالَ قل يَا شيخ فَإنَّك المنظور إِلَيْهِ والمقتدى بِهِ فَقَالَ أَبُو سعيد يَقُول إنَّهُمَا رميا بنفسيهما فِي الْحَرْب أقْصَى مرامهما ورجعا موفورين لم يؤسرا فتعقد أَيْدِيهِمَا كتافاً فَقَالَ يَا شيخ أترضى لنَفسك بِهَذَا الْجَواب فأنكرنا ذَلِك على الْمَجْنُون فَقَالَ أَبُو سيعد هَذَا الَّذِي عندنَا فَمَا عنْدك فَقَالَ الْمَعْنى يَا شيخ آبا وَلم تعقد يَد بِمثل فعلهمَا بعدهمَا لِأَنَّهُمَا فعلا مَا لم يَفْعَله أحد كَمَا قَالَ الشَّاعِر

(قرم إِذا عدت تَمِيم مَعًا ... ساداتها عدوه بالخنصر)

(ألبسهُ الله ثِيَاب الندى ... فَلم تطل عَنهُ وَلم تقصر)

أَي خلقت لَهُ وَقَرِيب من الأول قَوْله

(قومِي بَنو مذْحج من خير الْأُمَم ... لَا يصعدون قدماً على قدم)

يَعْنِي يتقدمون النَّاس وَلَا يطئون على عقب أحد وَهَذَانِ فعلا مَا لم يُعْطه أحد فاحمر وَجه أبي سعيد واستحيى من أَصْحَابه ثمَّ غطى الْمَجْنُون رَأسه وَخرج وَهُوَ يَقُول يتصدرون فيغرون النَّاس من أنفسهم فَقَالَ أَبُو سعيد بعد خُرُوجه اطلبوه فإنني أَظُنهُ إِبْلِيس فَلم يظفر بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>