(مَا أَمر تجنيِّك على الصبّ خَفِي ... أفنيت زماني بالأسى والأسف)
(مَاذَا غضبٌ بِقدر ذَنبي فَلَقَد ... أسرفت وَمَا أردْت إِلَّا تلفي)
وأوصلها لبَعض القيان فَلَمَّا غنّت بهما قَالَ لمن هَذَا فَقَالَت للصلاح الاربلي فَأَطْلقهُ وَأَعَادَهُ إِلَى منزله ومكانته وَكَانَ قد غضب عَلَيْهِ وَهُوَ بالمنصورة قبالة الفرنج وَقيل سَبَب خلاصه إِنَّمَا كَانَ قَوْله
(اصْنَع مَا شِئْت أَنْت أَنْت المحبوب ... مَا لي ذنبٌ بل كَمَا قلت ذنُوب)
(هَل تسمح بالوصال فِي ليلتنا ... تجلو صدأ الْقلب وَتَعْفُو وَأَتُوب)
وَكَانَ الْكَامِل قد تغيّر على أَخِيه الْملك الفائز سَابق الدّين إِبْرَاهِيم بن الْعَادِل فَدخل على صَلَاح الدّين وَسَأَلَهُ أَن يصلح أمره مَعَ أَخِيه الْكَامِل فَكتب صَلَاح الدّين إِلَيْهِ
(وَشرط صَاحب مصرٍ أَن يكون كَمَا ... قد كَانَ يُوسُف فِي الْحسنى لإخوته)
(أسوا فقابلهم بِالْعَفو وافترقوا ... فبرّهم وتولاهم برحمته)
وَلما وصل الانبرور صَاحب صقلية إِلَى سَاحل الشَّام سنة سِتّ وَعشْرين وست مائَة بعث الْكَامِل إِلَيْهِ صَلَاح الدّين رَسُولا فَلَمَّا قرروا الْقَوَاعِد وَحلف الأنبرور على الْوَفَاء بِمَا اشْترط عَلَيْهِ كتب صَلَاح الدّين إِلَى الْكَامِل
(زعم الزعيم الانبرور بِأَنَّهُ ... سلمٌ يَدُوم لنا على أَقْوَاله)
(شرب الْيَمين فَإِن تعرّض نَاكِثًا ... فليأكلنّ لذاك لحم شِمَاله)
)
وَكتب إِلَيْهِ شرف الدّين ابْن عنين على يَد ابْن عَدْلَانِ الْموصِلِي النَّحْوِيّ المترجم كتابا يتَضَمَّن الْوَصِيَّة بِهِ وَفِي أَوله
(أبثّك مَا لقِيت من اللَّيَالِي ... فقد حصّت نوائبها جناحي)
(وَكَيف يفِيق من عنت اللَّيَالِي ... عليلٌ لَا يرى وَجه الصّلاح)
وَمن شعر صَلَاح الدّين الْمَذْكُور
(وَإِذا رَأَيْت بنيك فَاعْلَم أَنهم ... قطعُوا إِلَيْك مفاوز الْآجَال)
(وصل البنون إِلَى محلّ أَبِيهِم ... وتجهّز الْآبَاء للترحال)
وَمِنْه أَيْضا
(يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ مَا سَمِعت بِهِ ... من كل هولٍ فَكُن مِنْهُ على حذر)
(يَكْفِيك من هوله أَن لست تبلغه ... إِلَّا إِذا ذقت طعم الْمَوْت فِي السّفر)
وَله ديوَان شعر وديوان دوبيت وَمَا زَالَ وافر الْحُرْمَة عالي المكانة عِنْد الْكَامِل وَعند الْمُلُوك إِلَى أَن قصد الْكَامِل بِلَاد الرّوم فَمَرض الصّلاح بِالْقربِ من السويداء بالمعسكر فَحمل إِلَى الرها فَمَاتَ فِي الطَّرِيق سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وست مائَة وَدفن بظاهرها بمقبرة بَاب حران ثمَّ إِن وَلَده نَقله