للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَوْمًا قد توجه مغلساً إِلَى صَلَاة الصُّبْح بالجامع فَلَمَّا كَانَ فِي الخضراء ضربه إِنْسَان بمطرق كَبِير رَمَاه إِلَى الأَرْض وظنه مَاتَ فَلَمَّا أَفَاق حضر إِلَى بَيته وَكَانَ يَقُول أعرفهُ وَمَا أذكرهُ لأحد

وَأَخْبرنِي من لَفظه الشَّيْخ نجم الدّين الصَّفَدِي رَحمَه الله قَالَ تراهنّا فِيمَا بَين الموقّعين على أَن أَحَدنَا يسْبقهُ بِالسَّلَامِ فَلم نقدر على ذَلِك وَكَانَ سريع الْكِتَابَة قيل لي إِنَّه كتب فِي يومٍ خمس كراريس وَكَانَ ينطوي على دين وتعبّد وَله أَمْوَال وخدمٌ ومماليك وَهُوَ من بَيت حشمة وَقيل لي إِنَّه قَالَ يَوْمًا للشَّيْخ صدر الدّين وَغَيره فرّق مَا بَيْننَا أنني اشتغلت على الشمع الكافوري وَأَنْتُم على قناديل الْمدَارِس وَكَانَ اشْتغل بِمصْر عاى الْأَصْبَهَانِيّ فِي أصُول الْفِقْه ودرس بالعادليّة الصُّغْرَى وبالأمينية ثمَّ بالغزاليّة مَعَ قَضَاء الْعَسْكَر ومشيخة الشُّيُوخ بِالشَّام وَولي الْقَضَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة إِلَى أَن مَاتَ وَأذن لجَماعَة فِي الْفَتْوَى وخرّج لَهُ الشَّيْخ صَلَاح الدّين العلائي مشيخة فَأَجَازَهُ عَلَيْهَا بجملة وَقيل إِنَّه لم يقدر أحد يدلَس عَلَيْهِ قَضِيَّة وَلَا يشْهد زوراً وَكَانَ متحرّياً فِي أَحْكَامه بَصيرًا بقضاياها وَلم أسمع عَنهُ أَنه ارتشى فِي حُكُومَة وَتُوفِّي بعد تعلل أَصَابَهُ ببستانه فجاءة فِي نصف شهر ربيع الأول سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة

وَكَانَ مَوته مفتاحاً لمَوْت رُؤَسَاء دمشق وعلمائها ورثاه شعراء ورثاه المرحوم شهَاب الدّين مَحْمُود ولشعراء زَمَانه فِيهِ مدائح كَثِيرَة وَكَانَ القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُود كتب للأمير علم الدّين سنجر الدواداري يهنّئه بِفَتْح طرابلس وَيذكر جِرَاحَة أَصَابَته بقصيدة أَولهَا

(مَا الْحَرْب الاّ الَّذِي تدمى بِهِ اللَّمم ... وَالْفَخْر إِلَّا إِذا زَان الْوُجُوه دمٌ)

(وَلَا ثبات لمن لم تلق جَبهته ... حدَّ السيوف وَلَا يثنى لَهُ قدم)

فَكتب الْجَواب قَاضِي الْقُضَاة نجم الدّين

(وافى كتابك فِيهِ الْفضل وَالْكَرم ... فجلّ قدرا وجلّت عِنْدِي النعّم)

(وَجَاء من بَحر فضلٍ قد طما وسما ... درُّ الْمعَانِي فِي الألفاط تنتظم)

(وصفت حَالي حَتَّى خلت أنّك قد ... شاهدتها ولهيب الْحَرْب يضطرم)

(وَمَا جرى فِي سَبِيل الله محتسبٌ ... فَهُوَ الَّذِي لم يزل تسمو لَهُ الهممُ)

(وجاءنا النَّصْر وَالْفَتْح الْمُبين فَلَو ... شاهدت نور الظُّبى تجلى بِهِ الظُّلمُ)

)

(غَدا العدوّ ذليلاً بعد عزَّته ... حليُّ أجيادهم بعد الْعُقُود دمٌ)

(قد فرق الْجمع مِنْهُم عزم طائفةٍ ... لم يثن همّتها يَوْم الوغى سأم)

(ترك إِذا مَا انتضّوا عزماً لَهُم تركُوا ... أمامهم كلَّ جمعٍ وَهُوَ مُنْهَزِم)

(لمّا بقتل العدى خاضت سيوفهم ... صلّت فقبلها يَوْم الوغى القمم)

<<  <  ج: ص:  >  >>