قلت وَقد اجْتمعت أَنا بِهِ فِي ديوَان الْإِنْشَاء بقلعة الْجَبَل وأنشدني لنَفسِهِ يصف الموز وَلم أر لغيره أحسن مِنْهُ
(كَأَنَّمَا الموز فِي عراجنه ... وَقد بدا يانعاً على شَجَره)
(فروع شعرٍ بِرَأْس غانيةٍ ... عقصن من بعد ضمّ منتشره)
(كَأَن من ضمّه وعقّصه ... أرسل شرّابةً على أَثَره)
(وَفِي اعْتِدَال الخريف أحسن مَا ... ترَاهُ فِي ورده وَفِي صَدره)
(كَأَن أشجاره وَقد نشرت ... ظلال أوراقه على ثمره)
(حاملة طفلها على يَدهَا ... تظلّه بالخمار من شعره)
(كَأَنَّمَا سَاقه الصَّقِيل وَقد ... بَدَت عَلَيْهِ نقوش معتبره)
(سَاق عروس أميط مئزرها ... فَبَان وشي الخضاب فِي حبره)
(يصاغ من جدولٍ خلاخلها ... فتنجلي والنثار من زهره)
)
(حدائق خَفَقت سناجقها ... كأنّها الْجَيْش أمّ فِي زمره)
(زهي فِرَاق الْعُيُون منظره ... فَمَا تملّ الْعُيُون من نظره)
(وكلّ آيَاته فباهرة ... تبين فِي ورده وَفِي صَدره)
(كأنّما عمره الْقصير حكى ... زمَان وصل الحبيب فِي قصره)
(كَأَن عرجونه المشيب أَتَى ... يخبر أَن خانه انقضا عمره)
(كأنّه الْبَدْر فِي الْكَمَال وَقد ... أُصِيب بالخسف فِي سنا قمره)
كَأَنَّهُ بعد قطعه وقداصفر لما نَالَ من أَذَى حجره
(متيم قد أذابه كمد ... يبيت من وجده على خطره)
(معلّق بالرجاء ظَاهره ... يخبر عمّا أجنّ من خَبره)
(يطيب ريحًا ويستلذ جنّى ... على أَذَى زَاد فَوق مصطبره)
(كأنّه الحرّ حَال محنته ... يزِيد صبرا على أَذَى ضَرَره)
قلت تكَرر مَعَه لفظ فِي ورده وَفِي صَدره مرَّتَيْنِ على أنّه جَائِر لكنه لَيْسَ بِحسن
وأنشدني من لَفظه لنَفسِهِ وَكَانَ قد أصمّ
(إِن قلّ سَمْعِي إنّ لي ... فهما توفّر مِنْهُ قسم)
(يدني إليّ مقاصدي ... ويروقك الرمْح الْأَصَم)
(ولربّ ذِي سمعٍ بعي ... د الْفَهم عيّ النُّطْق فدم)
(زادوا على عيب التصا ... مِم أنّهم صمّ وبكم)