روى محب الدّين ابْن النجار بِسَنَدِهِ إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْآجُرِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا بكر ابْن أبي الطّيب يَقُول بلغتا عَن عبد الله بن الْفرج العابد قَالَ احتجت إِلَى صانع يصنع لي شَيْئا من أَمر الروزجاريين فَأتيت السُّوق فَإِذا فِي آخِرهم شَاب مصفر بَين يَدَيْهِ زنبيل كَبِير ومرو وَعَلِيهِ جُبَّة صوف ومئزر صوف فَقلت لَهُ تعْمل قَالَ نعم قلت بكم قَالَ بدرهم ودانق فَقلت لَهُ قُم حَتَّى تعْمل قَالَ على شريطة إِذا كَانَ وَقت الظّهْر تطهرت وَصليت فِي الْمَسْجِد جمَاعَة ثمَّ أَعُود وَكَذَلِكَ الْعَصْر قلت نعم فَجِئْنَا الْمنزل ووافقته على مَا يَنْقُلهُ فَجعل يعْمل وَلَا يكلمني بِشَيْء حَتَّى أذّن الظّهْر فاستأذنني فَأَذنت لَهُ فصلى وَرجع وَعمل عملا جيدا إِلَى الْعَصْر فَلَمَّا أذن الظّهْر فعل كالظهر وَلم يزل يعْمل إِلَى آخر النَّهَار فأعطيته أجرته وَانْصَرف فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام احتجنا إِلَى عملٍ فَقَالَت زَوْجَتي اطلب ذَلِك الصَّانِع الشَّاب فَإِنَّهُ نصحنا فَجئْت إِلَى السُّوق فَلم أره فَسَأَلت عَنهُ فَقَالُوا لَا نرَاهُ إِلَّا من السبت إِلَى يَوْم السبت فَأتيت يَوْم السبت وصادفته فَقلت تعْمل فَقَالَ قد عرفت الْأُجْرَة وَالشّرط قلت نعم فَقَامَ وَعمل فِي الْيَوْم الأول فَلَمَّا وزنت الْأُجْرَة زِدْته فَأبى يَأْخُذ الزِّيَادَة فألححت عَلَيْهِ فضجر وَتَرَكَنِي وَمضى فغمني ذَلِك وتبعته وداريته حَتَّى أَخذ أجرته فَقَط فَلَمَّا كَانَ بعد مدةٍ احتجنا إِلَيْهِ فمضيت يَوْم السبت فَلم أصادفه فَسَأَلت عَنهُ فَقيل هُوَ عليل فَأَتَيْته وَهُوَ فِي بَيت عَجُوز فاستأذنت وَدخلت عَلَيْهِ فَسلمت وَقلت أَلَك حَاجَة قَالَ نعم إِن قبلت
قلت نعم قَالَ إِذا أَنا متّ فبع هَذَا المر واغسل جبتي هَذِه الصُّوف وَهَذَا المئرز وكفّنّي بهما وافتق جيب الجبّة فَإِن فِيهَا خَاتمًا فَخذه وقف للخليفة الرشيد فِي مَوضِع يراك وأره الْخَاتم وَسلمهُ إِلَيْهِ وَلَا يكون هَذَا إِلَّا بعد دفني فَقلت نعم وَلما مَاتَ فعلت مَا أَمرنِي ورصدت الرشيد فِي يَوْم ركُوبه وَجَلَست على الطَّرِيق لَهُ فَلَمَّا دنا قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَك عِنْدِي وَدِيعَة ولوحت بالخاتم فَأخذت وحملت حَتَّى دخل دَاره ثمَّ دَعَاني خلوةّ وَقَالَ من أَنْت قلت عبد الله قَالَ هَذَا الْخَاتم من أَيْن لَك فَحَدَّثته قصَّة الشَّاب فَجعل يبكي حَتَّى رَحمته فَلَمَّا أنس بِي قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ من هُوَ لَك قَالَ ابْني ولد قبل أَن أَلِي الْخلَافَة وَنَشَأ نَشأ حسنا وَتعلم الْقُرْآن وَالْعلم ولّما وليت الْخلَافَة تركني وَلم يتل شَيْئا فَدفعت إِلَى أمه هَذَا الْخَاتم وَهُوَ ياقوت لَهُ قيمَة كَبِيرَة وَقلت ادفعي هَذَا إِلَيْهِ وَكَانَ بهَا بارّاً لَعَلَّه يحْتَاج إِلَيْهِ ينْتَفع بِهِ وَتوفيت أمه فَمَا عرفت لَهُ خَبرا إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي بِهِ أَنْت ثمَّ قَالَ إِذا كَانَ اللَّيْل اخْرُج معي إِلَى قَبره فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل مشي)
معي وَحده وَجلسَ على قَبره وَبكى بكاء شَدِيدا فَلَمَّا طلع الْفجْر رَجعْنَا ثمَّ قَالَ لي تعاهدني فِي بعض الْأَيَّام حَتَّى أَزورهُ قَبره فَكنت أتعاهده قَالَ محب الدّين ابْن النجار عبد الله ابْن الْفرج العابد رَاوِي هَذِه الْحِكَايَة هُوَ أَبُو مُحَمَّد الْقَنْطَرِي كَانَ من أَعْيَان الزهاد وَكَانَ بشر بن الْحَارِث يزوره وَلم يسمّ ابْن الرشيد فِي هَذِه الرِّوَايَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute