وَكَانَ أَحْمد بن يحيى بن جَابر عَالما فَاضلا شَاعِرًا راوية نسّابة متقناً وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير الهجاء بذيء اللِّسَان آخِذا لأعراض النَّاس وَتَنَاول وهب بن سُلَيْمَان ابْن وهب لما ضرط فمزّقه فَمن قَوْله فِيهِ وَكَانَت الضرطة بِحَضْرَة عبيد الله ابْن يحيى بن خاقَان
(أيا ضرطةً حسبت رعدة ... تنوّق فِي سهلها جهده)
(تقدّم وهب بهَا سَابِقًا ... وصلّى أَخُو صاعدٍ بعده)
(لقد هتك الله ستريهما ... كَذَا كلّ من يطعم الفهده)
وَقَالَ فِي عَافِيَة ابْن شبيب
(من رَآهُ فقد رأى ... عَرَبيا مدلّسا)
(لَيْسَ يدْرِي جليسه ... أفسا أم تنفسا)
وَلما أَمر المتوكّل إِبْرَاهِيم بن الْعَبَّاس الصولي أَن يكْتب فِي أَمر الْخراج كتابا حتّى يَقع أَخذ الْخراج فِي خمسٍ من حزيران فَكتب كتابا مَعْرُوفا وَدخل بِهِ عبيد الله بن يحيى وقرأه وَاسْتَحْسنهُ النَّاس دَاخل البلاذريّ الْحَسَد وَقَالَ فِيهِ خطأ فتدبره إِبْرَاهِيم الصولي وَلم ير فِيهِ شياً فَقَالَ الْخَطَأ لَا يعرى مِنْهُ أحد فيعرفنا الْخَطَأ الَّذِي فِيهِ فَقَالَ لَهُ المتَوَكل قل لنا مَا هُوَ فَقَالَ هُوَ شَيْء لَا يعرفهُ إِلَّا عَليّ بن يحيى المنجم مُحَمَّد بن مُوسَى وَذَاكَ أَنه أرّخ الشَّهْر الرُّومِي بالليالي وَأَيَّام الرّوم قبل لياليها وإنّما تورّخ الْعَرَب بالليالي لِأَن لياليها قبل أيّامها بِسَبَب الْأَهِلّة فَقَالَ إِبْرَاهِيم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا مَا لَا علم بِهِ وغيّر تَارِيخه قَالَ البلاذري كنت من جلساء المستعين بِاللَّه فقصده الشُّعَرَاء فَقَالَ لست أقبل إلاّ من الَّذِي يَقُول مثل قَول البحتري فِي المتَوَكل)
(فَلَو انّ مشتاقاً تكلّف فَوق مَا ... فِي وَسعه لسعى إِلَيْك الْمِنْبَر)
فَرَجَعت إِلَى دَاري وأتيته فَقلت قلت فِيك أحسن مماّ قَالَ البحتري فِي المتَوَكل فَقَالَ هاته فَأَنْشَدته
(وَلَو أنّ برد الْمُصْطَفى إِذْ لبسته ... يظنّ الْبرد أنّك صَاحبه)
(وَقَالَ وَقد أَعْطيته ولبسته ... نعم هَذِه أعطافه ومناكبه)
فَقَالَ لي ارْجع إِلَى مَنْزِلك وَافْعل مَا آمُرك بِهِ فَرَجَعت فَبعث إليّ سَبْعَة آلَاف دينارٍ وَقَالَ ادّخر هَذِه للحوادث بعدِي وَلَك عليّ الجراية والكفاية مَا دمت حَيا وَقَالَ فِي عبيد الله بن يحيى وَقد صَار إِلَى بَابه فحجبه
(قَالُوا اصطبارك للحجاب مذلّة ... عارٌ عَلَيْك مدى الزَّمَان وَعَابَ)
(فأجبتهم ولكلّ قولٍ صادقٍ ... أَو كاذبٍ عِنْد الْمقَال جَوَاب)
(إِنِّي لأغتفر الْحجاب لماجدٍ ... أمست لَهُ مننٌ عَليّ رغاب)