للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقدمه ويريب اللبيب من برقه المومض تبسمه وَكَيف حَاله مَعَ رعوده الصارخة ورياحه النافخة ووجوه أَيَّامه الكالحة وسرر لياليه الَّتِي لَا تبيت بليلةٍ مِنْهَا صَالِحَة وسحابه وأمواجه وجليده وَالْمَشْي فَوق زجاجه وتراكم مطره الأنيث وتطاول فرع ليله الأثيث ومواقده الممقوتة وذوائب جمره وأهوان بِهِ وَلَو ان كلّ حَمْرَاء ياقوتة وتحدر نوئه المتصبب وتحير نجمه المتصيب وَكَيف هُوَ مَعَ جَيْشه الَّذِي مَا أطل حَتَّى مدّ مضَارب غمامه وظلّل الجو بِمثل أَجْنِحَة الفواخت من أَعْلَامه هَذَا على أَنه عرى الْأَبْنِيَة وحلّل مِمَّا تلف فِي دَمه سالف الأستية فَلَقَد جَاءَ من الْبرد بِمَا رضّ الْعِظَام وأنخرها ودقّ فخّارات الْأَجْسَام وفخّرها وجمد فِي الْفَم الرِّيق وَعقد اللِّسَان إِلَّا أَنه لِسَان المنطيق ويبّس الْأَصَابِع حَتَّى كَادَت أَغْصَانهَا توقد حطبا وَقيد الأرجل فَلَا تمشي إلاّ تتَوَقَّع عطبا وأتى الزَّمْهَرِير بِجُنُود مَا للقوي بهَا قبل وحمّل الْأَجْسَام من ثقل الثِّيَاب مَا لَا يعْصم مِنْهُ من قَالَ سآوي إِلَى جبلٍ ومدّ من السَّيْل مَا استبكى الْعُيُون إِذا جرى واجتحف مَا أَتَى وَأول مَا بَدَأَ الدمع بالكرى فَكيف أَنْت يَا سَيِّدي فِي هَذِه الْأَحْوَال وَكَيف أَنْت فِي مقاساة هَذِه الْأَهْوَال وَكَيف ترأيت مِنْهَا مَا شيّب بثلجه نواصي الْجبَال وَجَاء بالبحر فتلقف ثعبانه مَا ألقته هراوات البروق من عصّيٍ وخيوط السحب من حبال أما نَحن فَبين أمواج من السحب تزدحم وَفِي)

رَأس جبل لَا يعْصم فِيهِ من المَاء إِلَّا من رحم وَكَيف سيدنَا مَعَ مجامر كانون وشرار برقها القادح وهمّ وقدها الفادح وقوس قزحها التلون ردّ الله عَلَيْهِ صوائب سهامه وبدّل مِنْهُ بوشائع حلل الرّبيع ونضارة أَيَّامه وَجعل حظّ مَوْلَانَا من لوافحه مَا يذكيه ذهنه من ضرامه وَمن سوافحه مَا يؤكده فكره من نوامه وعوضنا وإياه بالصيف وَالله يتَقَبَّل وأراحنا من هَذَا الشتَاء ومشي غمامه المتبختر بكمّه المسبل

فَكتبت إِلَيْهِ الْجَواب عَن ذَلِك وَهُوَ وَيُنْهِي وُرُود هَذِه الرقعة الَّتِي هِيَ طراز فِي حلَّة الدَّهْر وحديقة ذكّرت بِزَمن الرّبيع وَمَا تهديه أَيَّامه من الزهر فَوقف مِنْهَا على الرَّوْض الَّذِي تهدلت فروع غصونه بالأثمار وَنظر مِنْهَا إِلَى الْأُفق الَّذِي كواكبه شموس وأقمار فأنشأت لَهُ أطرابه وأعلمته أَن قلم مَوْلَانَا يفعل بالألباب مَا لَا تَفْعَلهُ نَغمَة الشبّابة وأرشفته سلافاً كئوسها الْحُرُوف وكل نقطة حبابة وَشَاهد أَوْصَاف هَذِه الْأَيَّام الْمُبَارَكَة الْقدوم الْمُتَّصِلَة الظلام فَلَا أوحش الله من طلعة الشَّمْس وحاجب الْهلَال وعيون النُّجُوم فَمَا لنا ولهذه السحائب السحّابة والغمائم السكابة والرعود الصخابة والبروق اللهابة والثلوج الَّتِي أَصبَحت بحصبائها حصّابة وَالْبرد الَّذِي أمست إبرة لغصون الْجُلُود قطابة والزميتا الَّتِي لَا تروى عَن أبي ذَر إلاّ ويروى الْغَيْب عَن أبي قلَابَة كلما أَقبلت فَحْمَة ظلام قدحت فِيهَا البوارق جمرتها وَكلما جَاءَت سَحَابَة كحلاء الجفون رجعت مدها لما أسبلت من عبرتها فَمَا هَذَا شهر طوبة إِن هَذَا إِلَّا جبل ثهلان وَمَا هَذَا كانون إِن إِلَّا تنور الطوفان فَإلَى مَتى قطن هَذِه الثلوج يطْرَح على جباب الْجبَال وَإِلَى مَتى تفاض دلاص الْأَنْهَار وترشقها قَوس قزَح بالنبال وَإِلَى مَتى يشق السَّحَاب مَا لَهَا من الْحلَل والحبر وَإِلَى مَتى ترسل خيوط المزن من الجو وَفِي أطرافها على الغدران إبر وَإِلَى مَتى تجمد عُيُون الْغَمَام وتكحلها البروق بالنَّار وَإِلَى مَتى نثار هَذِه الْفضة وَمَا يرى من النُّجُوم دِينَار وَإِلَى مَتى نَحن على

<<  <  ج: ص:  >  >>