للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(إِذا قَالَ لم يتْرك مقَالا لقَائِل ... بملتمات لَا يرى بَينهَا فصلا)

(كفى وشفى مَا فِي النُّفُوس فَلم يدع ... لذِي إربة فِي القَوْل جدا وَلَا هزلا)

)

وَكم أَتَى فيهم من كحلت مراود رماحه عُيُون اللحوم وتوقل حصونا لم يكن للكواكب فِيهَا ولوج وَلَا لطيف العدى هجوم وَضم عسكره الْمَجْرُور كل فتح أصبح الْعَدو بِهِ وَهُوَ مجزوم

(من كل من ضَاقَ الفضاء بجيشه ... حَتَّى ثوى فحواه لحد ضيق)

إِلَى غير ذَلِك مِمَّن شَارك الْأَوَائِل فِي الْعُلُوم الدقيقة وَاتخذ إِلَيْهَا مجَازًا أَدَّاهُ فِيهَا إِلَى الْحَقِيقَة واستنتج من مقدماتهم بَنَات فكر لم يرض جواهرهم لَهَا عقيقة

جمع المؤرخون رَحِمهم الله تَعَالَى أَخْبَار تِلْكَ الْأَحْبَار ونظموا سلوك تِلْكَ الْمُلُوك واحرزوا عُقُود تِلْكَ الْعُقُول وصانوا فصوص تِلْكَ الْفُصُول فوقفت على تواريخ مَاتَت أَخْبَارهَا فِي جلدهَا وَدخلت بتسطيرها الَّذِي لَا يبْلى جنَّة خلدها الْكَامِل

(وَرَأَيْت كلا مَا يُعلل نَفسه ... بتعلة وَإِلَى الْمَمَات يصير)

وَوجدت النَّفس تستروح إِلَى مطالعة أَخْبَار من تقدم ومراجعة آثَار من خرب ربع عمره وتهدم ومنازعة أَحْوَال من غبر فِي الزَّمَان وَمَا ترك للشعراء من متردم إِذْ هُوَ فن لَا يمل من أثارة دفائن دفاتره وَلَا تبل جوانح من الفه إِلَّا بمواطن مواطره كم من نَاظر اجتنى زهراً ناضراً من أوراقه وَكم من ماهر اقتنى قمراً سافراً بَين أرواقه لِأَن المطلع على أَخْبَار من درج ووقائع من غَابَ فِي غَابَ الْمَوْت وَمَا خرج ومآثر من رقا إِلَى سَمَاء السِّيَادَة وعرج ومناقب من ضَاقَ عَلَيْهِ خناق الشدَّة إِلَى أَن فتح لَهُ بَاب الْفرج يعود كَأَنَّهُ عاصر أُولَئِكَ وَجلسَ مَعَهم على نمارق الأسرة واتكا بَينهم على وسائد الأرائك واستجلى أقمار وُجُوههم إِمَّا فِي هالات الطيالس أَو فِي دارات الترائك وَشَاهد من أشرارهم شرر الشَّيَاطِين وفض لَهُ فضل أخيارهم فِي مَلأ الملائك وعاطاهم سلافة عصرهم فِي عصرهم السالف ورآهم فِي معاركهم ينتشقون رياحين السيوف ويستظلون القنا الراعف فَكَأَنَّمَا أُولَئِكَ الْقَوْم لداته وأترابه وَمن سَاءَهُ مِنْهُم أعداؤه وَمن سره أحبابه لكِنهمْ درجوا فِي الطليعة من قبله وأتى هُوَ فِي السَّاقَة على مهله الطَّوِيل

(وَمَا نَحن إِلَّا مثلهم غير أَنهم ... مضوا قبلنَا قدما وَنحن على الْأَثر)

والتاريخ للزمان مرْآة وتراجم الْعَالم للمشاركة فِي الْمُشَاهدَة مرقاة وأخبار الماضين لمن عَاقِر الهموم ملهاة الْبَسِيط

(لَوْلَا أَحَادِيث أبقاها أوائلنا ... من الندى والردى لم يعرف السمر)

<<  <  ج: ص:  >  >>