للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولّما استقامت الأندلس لإدريس وبلغه ضعف أَخِيه الْعَادِل بمراكش خلع طَاعَته فِي سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَجلسَ لأخذ الْبيعَة فَقَامَ ابْن عَمه السَّيِّد أَبُو عمرَان وَقَرَأَ قل اللهمَّ مَالك الملكِ الْآيَة وَقَالَ يسْأَل عَن الرجل أهل بَيته وَقد سابقناه فَأبى إِلَّا تبريزا وخبرناه فَلم نجده إِلَّا ذَهَبا إبريزا فبادروا إِلَى بيعَته فنور السَّعَادَة من وَجهه لائح وقارضوه بإسلاف الطَّاعَة فإنّ المتجر عِنْده رابح فانثال النَّاس على بيعَته وَقد امْتَلَأت قُلُوبهم بمحبته فَلم تمرّ إلاّ أَيَّام يسيرَة حَتَّى بلغه أَن أَخَاهُ قَتله أهل مراكش وَبَايَعُوا بالخلافة ابْن أَخِيه يحيى ابْن النَّاصِر وَكَانَ صَبيا وشاع ذَلِك بالأندلس فهجم ابْن هود على حصن من حصون)

مرسية وخطب فِيهِ لبني الْعَبَّاس وخطب فِي السرّ قَاضِي مرسية فبنوا الْحِيلَة على أَن يَأْتِي طَائِعا إِلَى صَاحب مرسية ابْن عَم إِدْرِيس فَأَتَاهُ وَدخل مَعَ جنده ليقبل يَده فَلَمَّا مَال على تَقْبِيل يَده أكبّوا على صَاحب مرسية وقبضوه وأخرجوه من الْبَلَد وملكوا مرسية لِابْنِ هود فَلم يقدم شَيْئا إِلَى قتل القَاضِي الَّذِي دبّر مَعَه هَذِه الْحِيلَة وطالت الدولة فَرَحل إِدْرِيس وَنزل بعساكره على مرسية فامتنعت عَلَيْهِ وجدّ أَهلهَا فِي الْقِتَال فاغتاظ إِدْرِيس على جمَاعَة من قواد الأندلس الَّذين كَانُوا مَعَه وقتلهم بأنواع الْقَتْل وعظمت الشناعة عَلَيْهِ وانبتر سلك ملك الأندلس من يَده فِي جُمُعَة وَملك ابْن هود الأندلس وَلم يبْق فِي يَد إِدْرِيس غير إشبيلية ترك بهَا ابْنه عليّاً ورحل إِلَى مراكش قبضوا أهل إشبيلية على عَليّ بن إِدْرِيس وسجنوه ودخلوا فِي طَاعَة ابْن هود وَوصل إِدْرِيس مراكش وَكَانَت لَهُ وَاقعَة عَظِيمَة على صَاحب مراكش كَسره فِيهَا وَاسْتولى إِدْرِيس على مراكش وَقعد فِي محفل من الْمُوَحِّدين وَأهل مراكش وَجعل يقرّعهم بِذُنُوبِهِمْ فِي خلع الْخُلَفَاء فَقَالَ لَهُ شيخهم ابْن أبي عمرَان إنّما يُعَاتب الرَّأْس وَالرَّأْس والأذناب لَا عتب عَلَيْهَا فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أعوان دولته فسجنوا من أهل مراكش من أَعْيَان الدولة نيفاً وَأَرْبَعين فَضرب أَعْنَاق الْجَمِيع فأيس النَّاس من خَيره أنّه سحب ذيل الْعقُوبَة على الْجَانِي والبريء وَكَانَ فِي الْمَذْكُورين إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد أَخُوهُ صَاحب إفريقية وَكَانَ صَبيا فائق الْحسن فَعظم ذَلِك على أَخِيه وَالْتزم أنّه لَا يظفر بِأحد من بني عبد الْمُؤمن إِلَّا قَتله فَلم يَجْسُر أحد مِنْهُم على دُخُول بِلَاده وَأمر أَن يتْرك ذكر بني عبد الْمُؤمن على المنابر وَكتب الْكتب بلعنة الْمهْدي إِلَى الْبِلَاد وَقَالَ فِي فُصُول الْكتاب وَكَيف يدّعي الْعِصْمَة من لَا يعرف بِأَيّ يَد يَأْخُذ كِتَابه فَرَمَاهُ النَّاس عَن وَاحِدَة وتمكنت بغضته فِي الْقُلُوب فاستنصر بالنصارى وَبنى لَهُم كَنِيسَة عَظِيمَة بمراكش فثار عَلَيْهِ أَخُوهُ عمرَان ابْن الْمَنْصُور فَتوجه لمحاربته فخالفه يحيى ابْن النَّاصِر إِلَى مراكش فسبى حريمه وَنهب قصوره وأحدق الْمُسلمُونَ بالكنيسة وفتكوا بالنصارى وخربوا الْكَنِيسَة فَبَلغهُ ذَلِك وَهُوَ على سبتة فَرَحل قبل أَن ينَال مِنْهَا غَرضا وَرجع إِلَى مراكش فَمَاتَ فِي طَرِيقه كآبةً كَمَا ذكرت فِي أول هَذِه التَّرْجَمَة فِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقيل سنة تسع وَعشْرين وَكَانَ بليغاً فِي النّظم والنثر متفنّناً فِي الْعُلُوم وَمن توقيعاته أَن امْرَأَة رفعت إِلَيْهِ أَن جندياً نزل بدارها فرغبت إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>