الْغناء كنيته أَبُو مُحَمَّد وَكَانَ الرشيد إِذا أَرَادَ أَن يولع بِهِ كنّاه أَبَا صَفْوَان كَانَ لَهُ فِي علومه وَأما الْغناء فَلم يكن لَهُ فِيهِ نَظِير سبق الْأَوَّلين وَقصر عَنهُ الْمُتَأَخّرُونَ وَكَانَ أكره النَّاس للغناء بِهِ وَيَقُول وددت أَن أضْرب كلّما أَرَادَ مني يندبني أَن أغنّي وَكلما قَالَ قَائِل إِسْحَاق الْموصِلِي الْمُغنِي عشر مقارع لَا أُطِيق أَكثر من هَذَا وأعفى من الْغناء وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ وَكَانَ الْمَأْمُون يَقُول لَوْلَا مَا سبق لإسحاق على أَلْسِنَة النَّاس وَشهر بِهِ من الْغناء عِنْدهم لوليته الْقَضَاء بحضرتي فإنّه أولى بِهِ وأحق وأعف وأصدق تديناً وَأَمَانَة من هَؤُلَاءِ الْقُضَاة وحدّث المرزباني عَن مُحَمَّد بن عَطِيَّة الشَّاعِر قَالَ كنت عِنْد يحيى بن أَكْثَم فِي مجْلِس لَهُ يجْتَمع إِلَيْهِ فِيهِ أهل الْعلم وحضره إِسْحَاق فَجعل يناظر أهل الْكَلَام حَتَّى انتصف مِنْهُم ثمَّ تكلم فِي الْفِقْه فَأحْسن وَاحْتج ثمَّ تكلم فِي الشّعْر واللغة ففاق من حضر فَأقبل على يحيى بن أَكْثَم وَقَالَ أعز الله القَاضِي أَفِي شَيْء ممّا ناظرت فِيهِ تَقْصِير قَالَ لَا وَالله قَالَ فَمَا بالي أقوم بِسَائِر الْعُلُوم قيام أَهلهَا وأنسب إِلَى فنّ واحدٍ قد)
اقْتصر النَّاس عَلَيْهِ قَالَ العطوي فَالْتَفت إليّ يحيى بن أَكْثَم وَقَالَ جَوَابه فِي هَذَا عَلَيْك وَكَانَ العطوي من أهل الجدل وَالْكَلَام فَالْتَفت إِلَى إِسْحَاق وَقلت أَخْبرنِي يَا با مُحَمَّد إِذا قيل من اعْلَم النَّاس بالشعر واللغة أيقولون إِسْحَاق أَن الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة قَالَ بل الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة
قَالَ فَإِن قيل من أعلم النَّاس بالنحو أيقولون إِسْحَاق أم الْخَلِيل وسيبويه قَالَ بل الْخَلِيل وسيبويه قَالَ فَإِن قيل من أعلم النَّاس بالأنساب أيقولون إِسْحَاق أم ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ بل ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ فَإِن قيل من أعلم النَّاس بالْكلَام أيقولون إِسْحَاق أم أَبُو الْهُذيْل والنظام قَالَ بل أَبُو الْهُذيْل والنظام قَالَ فَإِن قيل من أعلم النَّاس بلفقه أيقولون إِسْحَاق أم أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف قَالَ بل أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف قَالَ فَإِن قيل من أعلم النَّاس بِالْحَدِيثِ أيقولون إِسْحَاق أم عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين قَالَ بل عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَيحيى بن معِين قَالَ فَإِذا قيل من أعلم النَّاس بِالْغنَاءِ أَيجوزُ أَن يَقُول قَائِل فلَان أعلم من إِسْحَاق قَالَ لَا قلت فَمن هَهُنَا نسبت إِلَى مَا نسبت إِلَيْهِ لأنّه لَا نَظِير لَك فِيهِ وَأَنت فِي غَيره لَك نظراء فَضَحِك وَقَامَ وَانْصَرف فَقَالَ يحيى بن أَكْثَم لقد وفيت الْحجَّة وفيهَا ظلم قَلِيل لإسحاق لأنّه رُبمَا ماثل أَو زَاد على من فضلته عَلَيْهِ وَإنَّهُ ليقل فِي الزَّمَان نَظِيره وَسَأَلَ إِسْحَاق الْموصِلِي الْمَأْمُون أَن يكون دُخُوله إِلَيْهِ مَعَ أهل الْعلم وَالْأَدب لَا مَعَ المغنين وَإِذا أَرَادَ الْغناء غنّاه فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك ثمَّ سَأَلَهُ بعد ذَلِك أَن يكون دُخُوله مَعَ الْفُقَهَاء فَأذن لَهُ فِي ذَلِك فَكَانَ يدْخل وَيَده فِي يَد الْقُضَاة حَتَّى يجلس بَين يَدي الْمَأْمُون ثمَّ مَضَت على ذَلِك مدّة فَسَأَلَهُ لبس السوَاد يَوْم الْجُمُعَة وَالصَّلَاة مَعَه فِي الْمَقْصُورَة فَضَحِك الْمَأْمُون وَقَالَ وَلَا كل هَذَا يَا إِسْحَاق وَقد اشْتريت مِنْك هَذِه الْمَسْأَلَة بِمِائَة ألف دِرْهَم وَأمر لَهُ بهَا وَقَالَ الْأَصْمَعِي خرجت مَعَ الرشيد إِلَى الرّقة فَلَقِيت إِسْحَاق فَقلت لَهُ هَل حملت شَيْئا من كتبك فَقَالَ حملت مَا خف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute