والتأليف بديعين وَكَانَ البلغاء فِيمَا يدعى عَنهُ عاجزين وَله مذعنين وَهَا أَنا أصدق عَن نَفسِي وَأَقُول مَا عِنْدِي أَن رسائلك وكلامك وفقرك وَمَا تؤلفه وتباده بِهِ نظماً ونثراً هُوَ فَوق ذَلِك أَو مثل ذَلِك وَقَرِيب مِنْهُ وعَلى حالٍ لَيْسَ يظْهر لي أَنه دونه وَأَن ذَلِك سيستعلى عَلَيْهِ بِوَجْه من وُجُوه الْكَلَام أَو بمرتبة من مَرَاتِب البلاغة فَلَمَّا سمع ابْن عباد هَذَا فتر وخمد وَسكن عَن حركته وانحمص ورمه بِهِ وَقَالَ وَلَا هَكَذَا يَا شيخ كلامنا حسن وبليغ وَقد أَخذ من الجزالة خطا وافراً وَمن الْبَيَان نَصِيبا ظَاهرا وَلَكِن الْقُرْآن لَهُ المزية الَّتِي لَا تجْهَل والشرف الَّذِي لَا يخمل وَأَيْنَ مَا خلقه الله على أتم حسنٍ وبهاء مِمَّا يخلقه العَبْد بطلبٍ وتكلف هَذَا كُله يَقُوله وَقد خبا حميه وتراجع مزاجه وَصَارَت ناره رَمَادا مَعَ إعجاب شديدٍ قد شاع فِي أعطافه وَفَرح غالبٍ قد دب فِي أسارير وَجهه لِأَنَّهُ رأى كَلَامه شُبْهَة للْيَهُود وَأهل الْملَل وَقَالَ كَانَ ينشد شعره وَهُوَ يلوي رقبته ويجحظ حدقته وينزي أَطْرَاف مَنْكِبَيْه ويتشايل ويتمايل كَأَنَّهُ الَّذِي يتخبَّطه الشيّطان من المسِّ
وَقَالَ دخل يَوْمًا دَار الْإِمَارَة الفيرزان الْمَجُوسِيّ فِي شَيْء خاطبه بِهِ فَقَالَ إِنَّمَا أَنْت مجش محش مخش لَا تهش وَلَا تبش وَلَا تمتش قَالَ الفيرزان أَيهَا الصاحب بَرِئت من النَّار إِن كنت أَدْرِي مَا تَقول إِن كَانَ رَأْيك أَن تَشْتمنِي فَقل مَا شِئْت بعد أَن أعلم فَإِن الْعرض لَك وَالنَّفس لَك فدَاء لست من الزنج وَلَا من البربر كلمنا على الْعَادة الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَل وَالله مَا هَذَا من لُغَة آبَائِك الْفرس وَلَا من أهل دينك من أهل السوَاد وَقد خالطنا النَّاس فَمَا سمعنَا مِنْهُم هَذَا النمط فَقَامَ الصاحب مغضباً قَالَ وَكَانَ كلفه بالسجع فِي الْكَلَام والقلم عِنْد الْجد والهزل يزِيد على كلف كل من رَأَيْنَاهُ قلت لِابْنِ الْمسيب أَيْن يبلغ ابْن عباد فِي عشقه للسجع قَالَ يبلغ بِهِ ذَلِك لَو أَنه رأى سجعةً ينْحل بموقعها عُرْوَة الْملك ويضطرب بهَا حَبل الدولة وَيحْتَاج من أجلهَا إِلَى غرم ثقيل وكلفة صعبة وتجشم أمورٍ وركوب أهوال لَكَانَ لَا يخف عَلَيْهِ أَن يفرج عَنْهَا ويخليها بل يَأْتِي بهَا ويستعملها وَلَا يعبأ بِجَمِيعِ مَا وصفت من عَاقبَتهَا وَقَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء من الْكَامِل
(متلقّب كَافِي الكفاة وإنّما ... هُوَ فِي الْحَقِيقَة كَافِر الكفارِ)
)
(السجع سجعُ مهوَّسٍ والخطّ خَ ... طُّ منَقْرَسٍ وَالْعقل عقل حمارِ)
قلت وعَلى الْجُمْلَة من رجالات الْوُجُود وَأَيْنَ آخر مثله وَلَكِن أَبُو حَيَّان زَاد فِي التمالئ عَلَيْهِ لنَقص حَظّ ناله مِنْهُ فتمحل لَهُ مثالب وَادّعى لَهُ معايب من الْخَفِيف
(لَو أَرَادَ الأديب أَن يهجُوَ البد ... ر رَمَاه بالخطّة الشنعاءِ)
وَمن تصانيف الصاحب الْمُحِيط باللغة عشر مجلدات رسائله الْكَافِي رسائل كتاب الزيدية الأعياد وفضائل النوروز الْإِمَامَة فِي تَفْضِيل عَليّ بن أبي طَالب وَتَصْحِيح إِمَامَة من تقدمه الوزراء لطيف عنوان المعارف فِي التَّارِيخ الْكَشْف عَن مساوئ المتنبي مُخْتَصر أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته الْعرُوض الْكَافِي جَوْهَرَة الجمهرة نهج
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute