للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا حمَار وَانْصَرف فَحكم القَاضِي بعدالة ذَلِك الْفَقِيه واخبرني أَيْضا أَن الْأَمِير علم الدّين الشجاعي لما فرغت الْمدرسَة المنصورية بَين القصرين فِي أَيَّام السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور قلاون طلبه الْأَمِير الْمَذْكُور فَتوجه إِلَيْهِ وعمامته صَغِيرَة بكراتة على مصطلح أهل حلب فَلَمَّا جلس عِنْده وَلم يكن رَآهُ أَخذ الْأَمِير يتحدث بالتركي مَعَ بعض مماليكه قَالَ يَا أَمِير الْمَمْلُوك يعرف بالتركي فاعجب الْأَمِير هَذِه الْحَرَكَة مِنْهُ وَقَالَ لَهُ السُّلْطَان قد فوض إِلَيْك تدريس التَّفْسِير بالقبة ونهار غَد يحضر السُّلْطَان والأمراء والقضاة وَالنَّاس فغداً تحضر وتكبر عمامتك هَذِه قَلِيلا فَانْصَرف وَلما كَانَ من الْغَد رَآهُ الْأَمِير علم الدّين من بعيد وَهُوَ جايز إِلَى الْمدرسَة بِتِلْكَ الْعِمَامَة فَجهز إِلَيْهِ يَقُول مَا قلت لَك تكبر عمامتك قَلِيلا فَقَالَ يَا مَوْلَانَا تعلموني مسخرة واراد أَن يرجع فَقَالَ الْأَمِير علم الدّين دَعوه يدْخل فَلَمَّا جلس مَعَ النَّاس نظر الْملك الْمَنْصُور إِلَى الَّذين هُنَاكَ فَقَالَ هَذَا مَا هُوَ الشَّيْخ بهاء الدّين ابْن النّحاس قَالُوا نعم فَقَالَ هَذَا اعرفه لما كنت سَاكن فِي الْمَدِينَة وَالنَّاس يقرأون عَلَيْهِ وشكر الشجاعي على إِحْضَاره قَالَ الشَّيْخ فتح الدّين فَلم يعرف السُّلْطَان غَيره وَلَا اثْنَي الا عَلَيْهِ واخبرني عَنهُ غير وَاحِد أَنه لم يزل عِنْده فِي بَيته من أَصْحَابه وَمن الطّلبَة من يَأْكُل على مَا يدته لَا يدّخر شَيْئا وَلَا يخبأه عَنْهُم وَهنا أنَاس يَلْعَبُونَ الشطرنج وَهنا أنَاس يطالعون وكل وَاحِد فِي شَأْنه لَا يُنكر على أحد شَيْئا وَلم تزل أخلاقه مرتاضة حَتَّى يكون وَقت الِاشْتِغَال يتنكر وَكَانَ لَا يتَكَلَّم فِي حل النَّحْو للطلبة إِلَّا بلغَة الْعَوام لَا يُرَاعى الْأَعْرَاب واخبرني الْأَمَام أثير الدّين وَعَلِيهِ قَرَأَ بالديار المصرية قَالَ كَانَ الشَّيْخ بهاء الدّين وَالشَّيْخ محيي الدّين مُحَمَّد ابْن عبد الْعَزِيز المازوني الْمُقِيم بالإسكندرية شيخى الديار المصرية وَلم الق أحدا أَكثر سَمَاعا مِنْهُ لكتب الْأَدَب وَانْفَرَدَ بِسَمَاع صِحَاح الْجَوْهَرِي وَكَانَ كثير الْعِبَادَة والمروءة والترحم على من يعرفهُ من أَصْحَابه لَا يكَاد يَأْكُل شَيْئا وَحده ينْهَى عَن الْخَوْض فِي العقايد وَله ترداد إِلَى من ينتمي إِلَى الْخَيْر ولي التَّفْسِير بِجَامِع ابْن طولون وبالقبة المنصورية وَله تصدير فِي الْجَامِع الْأَقْمَر وتصادير بِمصْر وَلم يصنف شَيْئا إِلَّا مَا وَجَدْنَاهُ من املايه على الْأَمِير سِنَان الدّين الرُّومِي شرحا لكتاب المقرب)

لِابْنِ عُصْفُور وَذَلِكَ من أول الْكتاب إِلَى بَاب الْوَقْف أَو نَحوه وَقَالَ وَكنت أَنا وإياه نمشي بَين القصرين فَعبر علينا صبي يدعى بِجَمَال وَكَانَ مصارعا فَقَالَ الشَّيْخ بهاء لينظم كل منا فِي هَذَا المصارع ونظم الشَّيْخ بهاء الدّين

(مصَارِع تصرع الآساد سمرته ... تيها فَكل مليح دونه همج)

(لما غَدا راجحاً فِي الْحسن قلت لَهُم ... عَن حسنه حدثوا عَنهُ وَلَا حرج)

قَالَ اثير الدّين ونظمت أَنا

(سباني جمال من مليح مصَارِع ... عَلَيْهِ دَلِيل للملاحة وَاضح)

(لَئِن عز مِنْهُ الْمثل فَالْكل دونه ... وَأَن خف مِنْهُ الخصر فالردف رَاجِح)

قَالَ وَسمع الشَّيْخ شهَاب الدّين العزازي نظمينا فِيهِ وانشدنيه

(هَل حكم ينصفني فِي هوى ... مصَارِع يصرع أَسد الشرى)

<<  <  ج: ص:  >  >>