(وَيدل هجركم على ... أَنِّي خطرت ببالكم)
فَكيف بِمن دخل ذكره الضَّمِير وَخرج وَذكر على مَا فِيهِ من عوج وَمَا استخف بِي من أَمرنِي وَمن ذَكرنِي فَمَا حقرني وَالله تَعَالَى يديم حَيَاته الَّتِي هِيَ الْأمان والأماني ويمتع أَلْفَاظه الفريدة الَّتِي هِيَ أطرب من المثالث والمثاني
فَكتب إِلَيّ الْجَواب عَن ذَلِك
(يَا هاجراً من لم يزل قلبه ... إِلَيْهِ من دون الورى قد صبا)
(أرْسلت من بعد الجفا أسطراً ... أرقص مِنْهَا السّمع مَا أطربا)
(شفت فؤاداً شفه وجده ... من بعد مَا قد كَاد أَن يذهبا)
(قَالَ لَهَا العَبْد وَقد أَقبلت ... أَهلا وسهلاً بك يَا مرْحَبًا)
(أحلهَا قلباً صَحِيح الولا ... مَا كَانَ فِي صحبته قلّبا)
(وَلَا نسي عهد خَلِيل لَهُ ... قديم عهد كَانَ مَعَ طقصبا)
وَقبل مواقع تِلْكَ الأنامل الَّتِي يحِق لَهَا التَّقْبِيل وقابل بالإقبال تِلْكَ الْفَضَائِل الْمَخْصُوصَة بالتفضيل وقابلها بالثناء الَّذِي إِذا مر بالمندل الرطب جر عَلَيْهِ من كمائم كمه فضل المنديل وتأملها بِطرف مَا خلا من تصور محَاسِن صديق وَلَا أخل بِمَا يجب من التلفت إِلَى مَوَدَّة)
خَلِيل وَشَاهد مِنْهَا الرَّوْضَة الْغناء بل الدوحة الفيحاء بل الطلعة الغراء فَوَجَدَهَا قد تسربلت من الْمعَانِي البديعة بِأَحْسَن سربال وتحلت من الْمعَانِي البديهة بِمَا هُوَ أحلى فِي عين الْمُحب المهجور وَقَلبه من طيف الخيال لَكِن مَوْلَانَا غَابَ عَن محبه غيبَة مَا كَانَت فِي الْحساب وهجره وَهُوَ من خاطره بِالْمحل الَّذِي يَظُنّهُ أَنه إِذا ناداه بالأشواق أجَاب وَاتخذ بِدعَة الْإِعْرَاض عَن الْقَائِم بِفَرْض الْوَلَاء سنة واشتغل عَمَّن لَهُ عين رضى عَن نِسْيَان مَا مضى كليلة دمنة فخشي الْمَمْلُوك من تطاول الْمدَّة وخامر قلبه تقلبات الْأَيَّام فخاف أَن تبقى أَسبَاب المقاطعة ممتدة ووثق بنما يتَيَقَّن من حسن الموافاة ويعتقد فَاقْتضى حكم التذْكَار لطف الِاخْتِصَار توصلاً إِلَى تفقد التودد وَمن عادات السادات أَن تفتقد تذكر أَيَّام حلت مَسَرَّة وهناء وليال أحلى من سَواد الشَّبَاب أولت بوصال الأحباب الْيَد الْبَيْضَاء
(لَو أَن ليلات الْوِصَال يعدن لي ... كَانَت لَهَا روح الْمُحب فدَاء)
فيا لَهَا من مليحة أَقبلت بعد إعراضها ولطيفة رمقت بإيماء جفن مواصلتها وإيماضها وبديعة استخرج غواص مَعَانِيهَا من بحار معاليها كل ذرة وصنيعة أبدى نظام لآليها من غرر أياديها أجمل غرَّة ورفيعة جددت السرُور وشرحت الصُّدُور فعلت بِمَا فعلت إكليل المجرة ومتطولة رغبت المقصر فِيمَا يختصر وحببت ومتفضلة قَضَت بِحَق تفضيلها على مَا سبق وأوجبت
(مودتها فِي مهجتي لَا يزيلها ... بعاد وَلَا يبلي الزَّمَان جديدها)