فاستمر على ذَلِك إِلَى أَن تولى السُّلْطَان الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل فولاه وكَالَة بَيت المَال بِالشَّام مُضَافا إِلَى مَا بِيَدِهِ وَعِنْده تجمل زَائِد وكرم نفس وَفِيه تصميم وبسطة إِذا خلا بِمن يَثِق إِلَيْهِ وَله نظم ونثر وَأقَام فِي الْوكَالَة سنة أَو قَرِيبا ثمَّ إِنَّه توجه للوقوف على قَرْيَة يَشْتَرِيهَا الْأَمِير سيف الدّين الْملك ليوقفها على جَامعه)
بِالْقَاهِرَةِ فَتوفي بالقدس الشريف فَجْأَة فِي شهر ربيع الأوّل سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسبع مائَة رَحمَه الله تَعَالَى وسامحه أَنْشدني من لَفظه لنَفسِهِ
(على خَدّه الوردي خَال منمق ... عَلَيْهِ بِهِ لِلْحسنِ معنى ورونق)
(وَفِي ثغره الدّرّ النظيم منضد ... يجول بِهِ مَاء الْحَيَاة المروق)
(وَمَا كنت أَدْرِي قبل حبه مَا الْهوى ... إِلَى أَن تبدى مِنْهُ خصر ممنطق)
(عَلَيْهِ من الْحسن البديع دَلَائِل ... تعلم ساليه الغرام فيعشق)
وأنشدني أيضاَ من لَفظه لنَفسِهِ
(رَأَتْ مقلتي من وَجهه منْظرًا أَسْنَى ... يفوق على الْبَدْر الْمُنِير بِهِ حسنا)
(غزال من الأتراك أصل بليتي ... معاطفه النشوى وألحاظه الوسنى)
(رنا نحونا عجبا وماس تدللاً ... فَمَا أرخص الْجَرْحى وَمَا أَكثر الطعنى)
(لَهُ مبسم كالدر والشهد رِيقه ... وَلَيْسَ بِهِ لكنه قَارب الْمَعْنى)
وَكتب إِلَيّ ملغزاً فِي القرط
(مَا اسْم ثلاثي ترى ... حلته مفوّفه)
(اعمد إِلَى تركيبه ... فِيهِ وصحف أحرفه)
(تَجِد جنى يبطئ فِي ال ... عود بِهِ من قطفه)
(واعكسه إِن تركته ... من بعد أَن تحرّفه)
(ترى بِهِ ذَا طرق ... بَين الورى مُخْتَلفه)
(أبنه يَا من فَضله ... يعجز من قد وَصفه)
فَكتبت الْجَواب إِلَيْهِ عَن ذَلِك
(يَا سيداً قد زانه ... رب العلى وشرفه)
(وَقدر الصَّوَاب فِي ... أقلامه المحرّفه)
(وأوضح الْفضل لمن ... يَطْلُبهُ وعرفه)
(أبدعت لغزاً حسنا ... صِفَاته مستطرفه)