وقف عَلَيْهِ نثرت على قَدَمَيْهِ لآلئ كَثِيرَة فَلَمَّا رأى تساقط اللآلئ الْمُخْتَلفَة على الْحَصِير قَالَ قَاتل الله أَبَا نواس كَأَنَّهُ شَاهد هَذِه الْحَالة حِين قَالَ فِي صفة الْخمر والحباب الَّذِي يعلوها عِنْد المزاج
(كَأَن صغرى وكبرى من فواقعها ... حَصْبَاء در على أَرض من الذَّهَب)
وَأطلق لَهُ الْمَأْمُون خراج فَارس وكور الأهواز مُدَّة سنة وَقَالَت الشُّعَرَاء والخطباء فِي ذَلِك وأطنبوا وَمن أظرف مَا قيل قَول مُحَمَّد بن حَازِم الْبَاهِلِيّ
(بَارك الله لِلْحسنِ ... ولبوران فِي الختن)
(يَا إِمَام الْهدى ظف ... رت وَلَكِن ببنت من)
فَلَمَّا نمي هَذَا الشّعْر إِلَى الْمَأْمُون قَالَ وَالله مَا نَدْرِي أخيراً أَرَادَ أم شرا وَقَالَ الطَّبَرِيّ دخل الْمَأْمُون على بوران اللَّيْلَة الثَّالِثَة من وُصُوله إِلَى فَم الصُّلْح فَلَمَّا جلس مَعهَا نثرت عَلَيْهِ جدَّتهَا ألف درة كَانَت فِي صينية ذهب فَأمر الْمَأْمُون أَن تجمع وسألها عَن عدد الدّرّ كم هُوَ فَقَالَت ألف حَبَّة فوضعها فِي حجرها وَقَالَ هَذَا نحلتك وسلي حوائجك فَقَالَت لَهَا جدَّتهَا كلمي سيدك فقد أَمرك فَسَأَلته الرضى عَن إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي فَقَالَ قد فعلت وأوقد تِلْكَ اللَّيْلَة شمعة من عنبر وَزنهَا أَرْبَعُونَ منا فِي تور من ذهب فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهِم وَقَالَ هَذَا سرف ويحكى أَنه لما قَامَ إِلَى بَيت الْخَلَاء وجد ستارة الْبَيْت من جنس الْحلَّة الَّتِي عَلَيْهِ فَغَضب وأحرقها بالشمعة الَّتِي مَعَه فَلَمَّا عَاد فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة وجد آخر مثله فأحرقه فَلَمَّا عَاد فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة وجد آخر مثله فهم بإحراقه فَقَالَت الْجَارِيَة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تتعب فمعنا من هَذَا أَرْبَعُونَ حلَّة وَقيل إِن الْمَأْمُون لما هم بِالدُّخُولِ بهَا دافعوه لعذر بهَا فَلم يقبل فَلَمَّا دخل بهَا وجدهَا حَائِضًا فَقَالَت أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه فَتَركهَا فَلَمَّا قعد للنَّاس دخل أَحْمد بن يُوسُف الْكَاتِب عَلَيْهِ وَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَنَّأَك الله بِمَا أخذت من الْيمن وَالْبركَة وَشدَّة الظفر بالمعركة فَأَنْشد الْمَأْمُون)
(فَارس مَاض بحربته ... عَارِف بالطعن فِي الظُّلم)
(رام أَن يدمي فريسته ... فاتقته من دم بِدَم)
فَعرض بحيضها وَهَذَا من أحسن الْكِنَايَات وَكَانَ هَذَا الْعرس فِي شهر رَمَضَان سنة عشر وَمِائَتَيْنِ وَعقد عَلَيْهَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَتُوفِّي الْمَأْمُون وَهِي فِي عصمته وَبقيت بعده إِلَى أَن توفيت سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وعمرها ثَمَانُون سنة ودفنت فِي قبَّة مُقَابلَة مَقْصُورَة جَامع السُّلْطَان وَتُوفِّي الْمَأْمُون سنة ثَمَانِي عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت قيمَة بِعلم النُّجُوم يُؤَيّد ذَلِك مَا ذكره الجهشياري فِي كتاب الوزراء فِي تَرْجَمَة أَخِيهَا الْفضل بن الْحسن وَسَيَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute