بِذِي النُّون الْمصْرِيّ الصَّالح الْمَشْهُور أحد رجال الطَّرِيقَة كَانَ أوحد وقته علما وورعاً وَحَالا وأدباً وَهُوَ مَعْدُود فِي جملَة من روى الْمُوَطَّأ عَن الإِمَام مَالك
كَانَ أَبوهُ نوبياً وَقيل من أهل إخميم مولى لقريش
وَسُئِلَ عَن سَبَب تَوْبَته فَقَالَ خرجت من مصر لبَعض الْقرى فَنمت فِي الطَّرِيق فِي بعض الصحارى ففتحت عَيْني فَإِذا أَنا بقنبرة عمياء سَقَطت من وَكرها على الأَرْض فانشقت الأَرْض)
فَخرج مِنْهَا سكرجتان إِحْدَاهمَا ذهب وَالْأُخْرَى فضَّة وَفِي إِحْدَاهمَا سمسم وَفِي الْأُخْرَى مَاء فَجعلت تَأْكُل من هَذِه وتشرب من هَذِه فَقلت حسبي قد تبت ولزمت الْبَاب إِلَى أَن قبلني
وَكَانَ قد سعوا بِهِ إِلَى المتَوَكل فَاسْتَحْضرهُ من مصر فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ وعظه فَبكى المتَوَكل ورده مكرماً وَكَانَ المتَوَكل إِذا ذكر أهل الْوَرع بَين يَدَيْهِ يبكي وَيَقُول إِذا ذكر أهل الْوَرع فحي هلا بِذِي النُّون وَكَانَ رجلا نحيفاً تعلوه حمرَة لَيْسَ بأبيض اللِّحْيَة
وَشَيْخه فِي الطَّرِيقَة شقران العابد
وَمن كَلَامه إِذا صحت الْمُنَاجَاة بالقلوب استراحت الْجَوَارِح
وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم السَّرخسِيّ بِمَكَّة سَمِعت ذَا النُّون يَقُول وَفِي يَده الغل وَفِي رجلَيْهِ الْقَيْد وَهُوَ يساق إِلَى المطبق وَالنَّاس يَبْكُونَ حوله وَهُوَ يَقُول هَذَا من مواهب الله وَمن عطاياه وكل فعاله عذب حسن طيب وَأنْشد من الْخَفِيف
(لَك من قلبِي الْمَكَان المصون ... كل لومٍ عَليّ فِيك يهون)
(لَك عزم بِأَن أكون قَتِيلا ... فِيك وَالصَّبْر عَنْك مَا لَا يكون)
قَالَ القَاضِي شمس الدّين أَحْمد بن خلكان رَحمَه الله تَعَالَى وقفت فِي بعض المجاميع على شئ من أَخْبَار ذِي النُّون الْمصْرِيّ رَحمَه الله فَقَالَ إِن بعض الْفُقَرَاء من تلامذته فَارقه من مصر وَقدم بَغْدَاد فَحَضَرَ بهَا سَمَاعا فَلَمَّا طَابَ الْقَوْم وتواجدوا أنْشد الْمُغنِي أَبْيَات ابْن التعاويذي من الْبَسِيط سقاك سارٍ من الوسمي هتان إِلَى أَن قَالَ مِنْهَا
(بَين السيوف وَعَيْنَيْهِ مشاركةٌ ... من أجلهَا قيل للأغماد أجفان)