مَذْعُورَة فأولت الرُّؤْيَا فَقيل لَهَا تلدين غُلَاما شَاعِرًا ذَا شَرّ وَشدَّة وشكيمة وبلاء على النَّاس
فَلَمَّا وَلدته سمته جَرِيرًا باسم الْحَبل الَّذِي رَأَتْ أَنه خرج مِنْهَا
والجرير الْحَبل
وَقَالَ رجل لجرير من أشعر النَّاس فَقَالَ لَهُ قُم حَتَّى أعرفك الْجَواب
فَأخذ بِيَدِهِ وَجَاء بِهِ إِلَى أَبِيه عَطِيَّة وَقد أَخذ عَنْزًا فاعتقلها وَجعل يمص ضرْعهَا فصاح بِهِ أخرج يَا أبه فَخرج شيخ ذميم رث الْهَيْئَة وَقد سَالَ لبن العنز على لحيته)
فَقَالَ لَهُ أَتَرَى هَذَا قَالَ نعم
قَالَ أَو تعرفه قَالَ لَا
قَالَ هَذَا أبي أفتدري لم كَانَ يشرب من ضرع العنز قَالَ لَا
قَالَ مَخَافَة أَن يسمع صَوت الْحَلب فيطلب مِنْهُ اللَّبن ثمَّ قَالَ أشعر النَّاس من فاخر بِمثل هَذَا الْأَب ثَمَانِينَ شَاعِرًا وقارعهم ففلهم جَمِيعًا
وَدخل على عبد الْملك بن مَرْوَان فأنشده من الوافر
(أتصحو أم فؤاداك غير صَاح ... عَشِيَّة هم صحبك بالرواح)
(تَقول العاذلات علاك شيب ... أَهَذا الشيب يَمْنعنِي مراحي)
(تعزت أم حزرة ثمَّ قَالَت ... رَأَيْت الموردين ذَوي لقاح)
(ثقي بِاللَّه لَيْسَ لَهُ شريك ... وَمن عِنْد الْخَلِيفَة بالنجاح)
(ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى الْعَالمين بطُون رَاح)
(سأشكر إِن رددت عَليّ ريشي ... وَأنْبت القوادم فِي جناحي)
قَالَ جرير فَلَمَّا انْتَهَيْت إِلَى هَذَا الْبَيْت كَانَ عبد الْملك مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا وَقَالَ من مَدْحنَا مِنْكُم فليمدحنا بِمثل هَذَا أَو فليسكت
ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ يَا جرير أَتَرَى أم حزرة ترْوِيهَا مائَة نَاقَة من نعم بني كُلَيْب فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لم تَرَوْهَا فَلَا أرواها الله فَأمر لي بهَا كلهَا سود الحدق
قلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ نَحن مَشَايِخ وَلَيْسَ بأحدنا فضل رَاحِلَته وَالْإِبِل أبان فَلَو أرت لي بالرعاء فَأمر لي بِثمَانِيَة وَكَانَ بَين يَدَيْهِ صحاف من الذَّهَب وَبِيَدِهِ قضيب فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ والمحلب وأشرت إِلَى إِحْدَى الصحاف فنبذها إِلَيّ بالقضيب وَقَالَ خُذْهَا لَا نفعتك
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ جرير فِي قَوْله من الْبَسِيط
(أعْطوا هنيدة تتلوها ثَمَانِيَة ... مَا فِي عطاياهم من وَلَا سرف)
وَلما مَاتَ الفرزدق وَبلغ خَبره جَرِيرًا بَكَى وَقَالَ أما وَالله إِنِّي لأعْلم أَنِّي قَلِيل الْبَقَاء بعده لقد كَانَ نجمنا وَاحِدًا وَكَانَ كل واحدٍ منا مَشْغُولًا بِصَاحِبِهِ وقلما مَاتَ ضد أَو صديق إِلَّا تبعه صَاحبه فَكَانَ كَذَلِك
وَتُوفِّي جرير سنة عشر وَمِائَة وَقيل سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَة بِالْيَمَامَةِ وَعمر نفيا وَثَمَانِينَ سنة)
وَقَالَ عُثْمَان التَّمِيمِي رَأَيْت جَرِيرًا وَمَا يضم شَفَتَيْه من التَّسْبِيح فَقلت لَهُ وَمَا ينفعك هَذَا وَأَنت تقذف الْمُحْصنَات فَقَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات وعد من الله حق
وَقيل إِنَّه مَاتَ بعد الفرزدق بِشَهْر وَاحِد