مملول وَالله لقد استطال النَّاس الَّذين هم خِيَار النَّاس أَيَّام عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَمَا رَأَوْا مثلهَا عدلا وَأمنا وسعة أَمْوَال وفتوح وَأَيَّام عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ حَتَّى قتلوهما
وَرَأى الرشيد مَعَ ذَلِك أنس النِّعْمَة بهم وَكَثْرَة حمد النَّاس لَهُم ورميهم بِأَمْوَالِهِمْ دونه والملوك)
تنافس بِأَقَلّ من هَذَا فتعنَّت عَلَيْهِم وتجنَّى وَطلب مساوئهم وَوَقع مِنْهُم بعض الإدلال خَاصَّة جَعْفَر وَالْفضل دون يحيى فَإِنَّهُ كَانَ أحكم خبْرَة وَأكْثر ممارسةً للأمور ولاذ من أعدائهم بالرشيد كالفضل بَين الرّبيع فستروا المحاسن وأظهروا القبائح حَتَّى كَانَ مَا كَانَ
وَقَالَ والواقدي نزل الرشيد الْعُمر بِنَاحِيَة الأنبار سنة سبع وَثَمَانِينَ ومئة منرفاً من مَكَّة وَغَضب على البرامكة وَقتل جعفراً فِي أول يَوْم من صفر وصلبه على الجسر بِبَغْدَاد وَجعل رَأسه على الجسر وَفِي الْجَانِب الآخر جسده انْتهى وَقَالَ غَيره دَعَا الرشيد ياسراً غُلَامه وَقَالَ قد انتخبتك لأمر لم أر لَهُ مُحَمَّدًا أَلا وَلَا عبد الله وَلَا الْقَاسِم فحقّق ظَنِّي وَاحْذَرْ أَن تخَالف فتهلك فَقَالَ لَو أَمرتنِي بقتل نَفسِي لفَعَلت فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى جَعْفَر بن يحيى وجئني بِرَأْسِهِ السَّاعَة فَوَجَمَ لَا يحير جَوَابا فَقَالَ مَالك وَيلك فَقَالَ الْأَمر عَظِيم وددت أنني متُّ قبل وقتي هَذَا فَقَالَ لَهُ أمض لأمري فمضي حَتَّى دخل على جَعْفَر وَأَبُو زكّار بغنيه من الوافر
(فَلَا تبعد فَكل فَتى سَيَأْتِي ... عَلَيْهِ الْمَوْت يطْرق أَو يغادي)
(وكل ذخيرةٍ لَا بُد يَوْمًا ... وَإِن بقيت تصير إِلَى نفاد)
(وَلَو فوديت من حدث اللَّيَالِي ... فديتك بالطرَّيف وبالتلاد)
فَقَالَ لَهُ يَا يَاسر سررتني بإقبالك وسؤتني بدخولك من غير إِذن قَالَ الْأَمر أكبر من ذَلِك قد أَمرنِي أَمِير الْمُؤمنِينَ بِكَذَا كَذَا فَأقبل جَعْفَر يقبل قدمي يَاسر وَقَالَ دَعْنِي أَدخل أوصِي قَالَ لَا سَبِيل إِلَيْهِ أوص بِمَا شيئت قَالَ لي عَلَيْك حق وَلَا تقدر على مكافأتي إلاّ فِي هَذِه السَّاعَة فَقَالَ تجدني سَرِيعا إلاّ فِيمَا يُخَالف أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ فَارْجِع فَأعلمهُ بقتلي فَإِن نَدم كَانَت حَياتِي على يدك وإلاّ أنفذت أمره فيَّ قَالَ لَا أقدر قَالَ فأسير مَعَك إِلَى مضربه وأسمع كَلَامه ومراجعتك فَإِن أصرَّ فعلت قَالَ أمّا هَذَا فَنعم وسارا إِلَى مضرب الرشيد فَلَمَّا سمع حسِّه قَالَ لَهُ مَا وَرَاءَك فَذكر لَهُ قَول جَعْفَر قَالَ يَا ماصّ بظر أمّه وَالله لَئِن راجعتني لأقدّمنك قبله فَرجع وَقَتله وجاءه بِرَأْسِهِ فَلَمَّا وَضعه بَين يَدَيْهِ أقبل عَلَيْهِ مليّاً وَقَالَ يَا يَاسر جئني بفلان وَفُلَان فَلَمَّا أَتَاهُ بهما قَالَ لَهما اضربا عنق يَاسر فَلَا أقدر أرى قَاتل جَعْفَر ذكر ذَلِك ابْن بدرون فِي شرح قصيدة ابْن عبدون وَأكْثر الشُّعَرَاء فِي مراثيهم الْأَقْوَال فَمن ذَلِك قَول الرِّقاشي من الوافر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute