فِي وسط عَسْكَر ابْن الْأَشْعَث ثمَّ نزع سراويله فَوَضعه وسلح فَوْقه وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ وَيلك مَالك أجننت مَا هَذَا الْفِعْل فَقَالَ كلكُمْ قد فعل مثل هَذَا إلاّ أَنكُمْ سترتموه وأظهرته فَشَتَمُوهُ وحملوا عليَّ فَمَا أنساه وَهُوَ يقدمهم ويرتجز
(نَحن جلبنا الْخَيل من زرنجا ... مَالك يَا حجاج منا منجى)
(لتبعجنَّ بِالسُّيُوفِ بعجا ... أَو لتقرَّنَّ فَذَاك أحجى)
فوَاللَّه لقد كَاد أهل الشَّام يَوْمئِذٍ يتضعضعون لَوْلَا أَن الله تَعَالَى أيّد بنصره وَكَانَ أَبُو جلدَة يَوْم الزاوية خرج بَين الصَّفين ثمَّ أقبل على أهل الْكُوفَة فأنشدهم قصيدته الَّتِي يَقُول فِيهَا من الطَّوِيل
(فَقل للحواريّات يبْكين غَيرنَا ... وَلَا يبكنا إلاّ الْكلاب النوابح)
(بكين إِلَيْنَا خشيَة أَن تبيحها ... رماح النَّصَارَى وَالسُّيُوف الْجَوَارِح)
(بكين لكيما تمعوهنّ مِنْهُم ... وتأبى قلوبٌ أضمرتها الجوانح)
(وناديننا أَيْن الْفِرَار وكنتم ... تغارون أَن تبدو البرى والوشائح)
(أأسلمتمونا للعدوّ وطرتم ... شلالاً وَقد طاحت بهنَّ الطوائح)
(وَلَا صَبر للحرب الْعوَان على القنا ... إِذا انتزعت مِنْهَا الْقُرُون النواطح)
(فَمَا غَار مِنْكُم عائرٌ لحليلة ... وَلَا عزبٌ عزّت عَلَيْهِ لمناكح)
فَلَمَّا أنشدهم هَذِه الأبيات أنفوا وثاروا وشدّوا تضعضع لَهَا عَسْكَر الْحجَّاج وَثَبت لَهُم الْحجَّاج وَصَاح يَا أهل الشَّام فتراجعوا وثبتوا فَكَانَت الدائرة لَهُ فَجعل يقتّل ويأسر بَقِيَّة يَوْمه وَكَانَ الْقَعْقَاع بن سُوَيْد لما تولى سجستان قد اسْتعْمل أَبَا جلدَة على بست والرُّخج وَكَانَ يَوْمًا فِي قَرْيَة من قرى بست يُقَال لَهَا الجنزوان وَمَعَهُ عَمْرو بن صوحان أَخُو صعصعة فِي جمَاعَة)
يتحدثون وَيَشْرَبُونَ فقان أَبُو جلدَة ليبول فضرط وَكَانَ عَظِيم الْبَطن فتضاحك الْقَوْم مِنْهُ فسلَّ سَيْفه وَقَالَ لأضربنَّ كل من لم يضرط فِي مجلسي أمنّي تضحكون لَا أرْضى لكم بذلك فَمَا زَالَ حَتَّى ضرطوا جَمِيعًا غير عَمْرو بن صوحان فَقَالَ لَهُ قد علمت أَن عبد الْقَيْس لَا تضرط وَلَك بدلهَا عشر فسوات قَالَ لَا وَالله أَو تفضح بهَا فَجعل يَجِيء وينحني وَلَا يقدر عَلَيْهَا فَتَركه وَقَالَ أَبُو جلدَة فِي ذَلِك من الطَّوِيل
(أَمن ضرطة بالجنزوان ضرطتها ... تشدّد مني تَارَة وتلين)