من الوافر
(فَتى كشفت لَهُ حدق الْمعَانِي ... محاجرها بأجفان الْقُلُوب)
(فأعرق فِي دَقِيق الْفِكر حَتَّى ... كأنَّ ضَمِيره بعض الغيوب)
(سليل أبوَّة وجدوا العطايا ... غيوثاً عِنْد عربدة الجدوب)
(صفت أفهامهم حَتَّى كأنيّ ... مقيمٌ فِي أنَاس من قُلُوب)
(كَلَام كالخدود من العذارى ... إِذا أرسى بسمع من أديب)
(جرى فِي جدوليه لِسَان فكرٍ ... بِأَلْفَاظ مشققة الْجُيُوب)
)
(أرقَّ من المدامع فِي التَّصابي ... وَأحلى من مشافهة الذُّنُوب)
فَقَالَ هَذَا كَلَام رجلٍ قد أحرق الْفِكر دَمه وَمَا أقلَّ بَقَاءَهُ فاستكثروا مِنْهُ فَلم تطل مُدَّة أبي تَمام بعد هَذَا حَتَّى اخترم وَقَالَ شمس الدّين ابْن خلكان قد تتبعت هَذِه الْولَايَة للموصل وحققتها فَلم أجد سوى أَن الْحسن بن وهب ولاّه بريد الْموصل فَأَقَامَ أقلّ من سنتَيْن ثمَّ مَاتَ بهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ ومئتين وَقيل سنة ثَمَان وَعشْرين ومئتين وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ومولده سنة تسعين ومئة وَقيل سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَقيل سنة اثْنَيْنِ وَسبعين وَقيل سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين ومئة
وَبنى عَلَيْهِ أَبُو نهشل بن حميدٍ الطوسي قبَّة خَارج بَاب الميدان على حافة الخَنْدَق وَحكى عفيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن عَدْلَانِ الموصليُّ النَّحْوِيّ المترجم قَالَ سَأَلت شرف الدّين بن عنين عَن معنى قَوْله من الطَّوِيل
(سقى الله روح الغوطتين وَلَا ارتوت ... من الْموصل الحدباء إلاّ قبورها)
وَلم حرمهَا وخصَّ الْقُبُور فَقَالَ لأجل أبي تَمام وَلما مَاتَ رثاه الْحسن بن وهب بقوله من الْكَامِل
(فجع الريض بِخَاتم الشُّعَرَاء ... وغدير روضته حبيب الطَّائِي)
(مَاتَا مَعًا فتجاورا فِي حفرةٍ ... وكذاك كَانَا قبل فِي الْأَحْيَاء)
وَقَالَ الْحسن أَيْضا من الوافر
(سقى بالموصل الْقَبْر الغريبا ... سحائب تنتحبن لَهُ نحيبا)
(إِذا أظللنه أظللن فِيهِ ... شُعَيْب المزن تتبعه شعيبا)
(ولطّمن البروق بِهِ خدوداً ... وشقَّقن الرعود بِهِ جيوبا)