وَقد ذكره ابْن أبي أصيبعة فِي تَارِيخ الْأَطِبَّاء وَطول فِي تَرْجَمته وَذكر أَنه طلب مِنْهُ نُسْخَة من تَارِيخه وَأَنه كتب لَهُ نُسْخَة وَحملهَا إِلَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهِ المَال الجزيل وَالْخلْع الفاخرة وشكره
وَكَانَ ابْن أبي أصيبعة قد مدحه بقصيدة جهزها إِلَيْهِ مَعَ الْكتاب أَولهَا من الوافر
(فُؤَادِي فِي محبتهم أَسِير ... وأنى سَار ركبهمْ يسير)
مِنْهَا من الوافر
(وَإِن أَشك الزَّمَان فَإِن ذخري ... أَمِين الدولة الْمولى الْوَزير)
)
(تسامى فِي سَمَاء الْمجد حَتَّى ... تأثر تَحت أَخْمُصُهُ الْأَثِير)
(وَهل شعرٌ يعبر عَن علاهُ ... وَدون مَحَله الشعرى العبور)
وَأورد لَهُ شعرًا كتب بِهِ أَمِين الدولة إِلَى برهَان الدّين وَزِير الْأَمِير عز الدّين المعظمي يعزيه فِي وَالِده الْخَطِيب شرف الدّين عمر من السَّرِيع
(قولا لهَذَا السَّيِّد الْمَاجِد ... قَول حزينٍ مثله فَاقِد)
(لَا بُد من فقدٍ وَمن فاقدٍ ... هَيْهَات مَا فِي النَّاس من خَالِد)
(كن المعزي لَا المعزى بِهِ ... إِن كَانَ لَا بُد من الْوَاحِد)
قلت وَله من الْكتب كتاب النهج الْوَاضِح فِي الطِّبّ وَهُوَ أجل كتاب صنف فِي الصِّنَاعَة الطّيبَة وَأجْمع لقوانينها الْكُلية والجزئية وَكتاب فِي الْأَدْوِيَة المفردة وقواها وَكتاب فِي الْأَدْوِيَة المركبة ومنافعها وَكتاب فِي تَدْبِير الأصحاء وعلاج الْأَمْرَاض وأسبابها وعلائمها وعلاجها وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من عمل الْيَد فِيهَا
قَالَ وَكَانَت لَهُ نفس فاضلة وهمةٌ عالية فِي جمع الْكتب وتحصيلها واقتنى كتبا كَثِيرَة فاخرة فِي سَائِر الْعُلُوم وَكَانَت النساخ أبدا يَكْتُبُونَ لَهُ وَأَنه فرق تَارِيخ دمشق على عشرَة نساخ فَكتب لَهُ فِي نَحْو سنتَيْن
وَقَالَ حكى لي الْأَمِير نَاصِر الدّين زكري الْمَعْرُوف بِابْن عليمة وَكَانَ من جمَاعَة الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب قَالَ لما حبس الصاحب أَمِين الدولة أرسل إِلَى منجم بِمصْر لَهُ خبْرَة فِي علم النُّجُوم وإصابات لَا تكَاد تخرم فِي أَحْكَامه وَسَأَلَهُ مَا يكون من حَاله وَهل يتَخَلَّص من الْحَبْس فَلَمَّا وصلت الرسَالَة إِلَيْهِ أَخذ ارْتِفَاع الشَّمْس للْوَقْت وحقق دَرَجَة الطالع والبيوت الاثنى عشر ومراكز الْكَوَاكِب ورسم ذَلِك كُله فِي تخت الْحساب وَحكم بِمُقْتَضَاهُ فَقَالَ يخلص هَذَا من الْحَبْس وَيخرج مِنْهُ وَهُوَ فرحان مسرور تلحظه السَّعَادَة إِلَى أَن يبْقى لَهُ أمرٌ مُطَاع فِي الدولة بِمصْر ويمتثل أمره وَنَهْيه جمَاعَة من الْخلق
فَلَمَّا وصل الْجَواب إِلَيْهِ بذلك وعندما وَصله مَجِيء الْمُلُوك وَأَن النُّصْرَة لَهُم خرج وأيقن أَنه يبْقى وزيراً بِمصْر وَتمّ لَهُ مَا ذكره المنجم من الْخُرُوج من الْحَبْس والفرح وَالْأَمر وَالنَّهْي